الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 الموافق 10 رجب 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

أسرار عصر النهضة.. بروتينات غير مرئية تفضح خلطات تساقط الشعر

القارئ نيوز

وصفات الطب في عصر النهضة.. ماذا لو استطاعت صفحات كتاب قديم أن تكسر حاجز الصمت الذي دام قروناً، لتخبرنا ليس فقط عما هو مكتوب بين سطورها، بل عمن لمسها، وما هي الأدوية التي صنعها، وكيف كانت استجابة جسده للعلاج؟ قد يبدو هذا التساؤل جزءاً من رواية خيالية، لكنه اليوم واقع ملموس بفضل التقنيات العلمية الحديثة. 

فكتب «وصفات الطب» في عصر النهضة لم تكن مجرد نصوص جامدة، بل كانت وثائق حية تمتلئ بملاحظات مكتوبة بخط اليد من قراء جربوا بأنفسهم علاجات لكل شيء، بدءاً من «الصلع الوراثي» وصولاً إلى «آلام الأسنان» المبرحة.

لسنوات طويلة، عكف المؤرخون على دراسة هذه الملاحظات المكتوبة لفهم كيف جرب البشر الطب في الماضي. 

ولكن اليوم، وفقاً لما نشره موقع «Phys»، انتقل البحث من تحليل الحبر والخطوط إلى فحص «الآثار البيولوجية غير المرئية» التي خلفها الأشخاص الذين استخدموا هذه الكتب.

 إنها رحلة في أعماق البروتينات التي التصقت بالورق، لترسم لنا صورة دقيقة للحياة اليومية في أوروبا قبل مئات السنين.

هوامش الكتب.. مختبرات منزلية في عصر النهضة

نجت آلاف المخطوطات والكتب المطبوعة من عصر النهضة في أوروبا، وهي تسجل وصفات طبية كانت تُستخدم في الحياة اليومية. 

المثير للاهتمام أن هذه الكتب لم تكن نادرة أو مقتصرة على فئة النخبة؛ بل كان العديد منها كتباً طبية مطبوعة حققت مبيعات هائلة، مما أتاح لعامة الناس اقتناءها. 

وبمجرد وصول الكتاب إلى يد القارئ، كان يبدأ في «تخصيصه»، فيضيف ملاحظات في الهوامش حول مدى فعالية الوصفة، والمكونات التي يمكن استبدالها أو تحسينها.

لقد كان عصر النهضة عصراً للابتكار الطبي بامتياز، تشكل من خلال التجارب العملية والمحاولات المتكررة. القراء لم يكونوا مجرد متلقين للمعلومة، بل كانوا باحثين ومجربين.

 واليوم، ولأول مرة، تمكن العلماء من أخذ عينات وتحليل «البروتينات غير المرئية» التي تركها هؤلاء الأشخاص على الصفحات. 

ويعد هذا العمل شكلاً متطوراً من البحث البيوكيميائي؛ ففي كل مرة يلمس فيها قارئ من القرن السادس عشر صفحة ما، كان يترك آثاراً دقيقة من «الأحماض الأمينية»، وهي اللبنات الأساسية للبروتينات التي تروي قصة صاحبها.

التكنولوجيا في خدمة التاريخ.. كيف نجمع البروتينات دون إتلاف الورق؟

استخدم فريق البحث أقراصاً فيلمية متخصصة من إنتاج شركة «SpringStyle Tech Design»، وهي تقنية ثورية ترفع المادة البيولوجية بلطف من سطح الورق دون إلحاق أي ضرر بالمخطوطات النادرة.

 تم تطبيق هذه التقنية على كتب طبية ألمانية مطبوعة من القرن السادس عشر، محفوظة حالياً في «معهد ومكتبة جون رايلاندز للأبحاث» بجامعة مانشستر.

بعد جمع العينات، بدأت رحلة التحليل في مختبرات بجامعتي «يورك» و«أكسفورد»، بينما تولى مختبر رايلاندز للتصوير استخدام تقنيات تصوير متقدمة لاستعادة النصوص التي بهتت بفعل الزمن. 

هذا النهج المتكامل سمح للعلماء باستخلاص معلومات قيمة ليس فقط عن القراء، بل عن «المواد الخام» التي تعاملوا معها والعلاجات التي حضروها في منازلهم، مما يقدم رؤى غير مسبوقة حول كيفية ممارسة الطب الشعبي واليومي في ذلك العصر.

سر الجرجير وإكليل الجبل.. هوس الشعر في عصر النهضة

في الصفحات التي تتحدث عن علاجات العناية بالشعر، رصد العلماء نتائج مذهلة؛ حيث ظهرت آثار بروتينية لمكونات الوصفات نفسها على الورق. 

ووجد الباحثون بقايا من «الجرجير»، و«الزان الأوروبي»، و«إكليل الجبل»، بجانب تعليمات لعلاج تساقط الشعر أو تحفيز نمو اللحية.

هذا التركيز الكبير على الشعر لم يكن وليد الصدفة، ففي عصر النهضة ازدهر فن رسم «البورتريه» وتوسعت تجارة الأمشاط والمرايا، مما جعل إطالة اللحى واعتماد تسريحات شعر جديدة «موضة» رائجة جداً.

 كان الشعر في ذلك الوقت بارزاً للغاية، وله دلالة اجتماعية عميقة ترتبط بمفاهيم «الصحة والرجولة». لذا، كانت الوصفات التي تمنع الصلع أو تزيد من كثافة اللحية هي الأكثر طلباً واستخداماً، وهو ما يفسر الكثافة البروتينية لهذه المواد على صفحات الكتب.

مفاجأة فرس النهر.. عظام نادرة لعلاج الأسنان والروائح الكريهة

الاكتشاف الأكثر إثارة كان العثور على بروتينات تتوافق مع «مكونات فرس النهر» في صفحات تتناول مشاكل الأسنان. في هوامش تلك الصفحات، ترك القراء شكاوى مريرة من «رائحة الأسنان الكريهة»، والآلام الحادة، وفقدان الأسنان. 

في طب عصر النهضة، كان يُعتقد بشكل راسخ أن «عظم فرس النهر» يمتلك قدرة سحرية على تقوية الأسنان واللثة، وكان يُستخدم أحياناً في صناعة أطقم الأسنان البدائية.

ويشير وجود بروتينات فرس النهر في كتب ألمانية في القرنين السادس عشر والسابع عشر إلى حقيقة تاريخية مذهلة؛ وهي أن القراء في تلك الفترة كانوا قادرين على الوصول إلى «مواد طبية نادرة» تُتاجر بها القوافل والسفن عبر مسافات طويلة من إفريقيا إلى قلب أوروبا. هذا الاكتشاف يغير نظرتنا لمدى تعقيد السلاسل التجارية والطبية في ذلك الوقت.

آفاق جديدة.. هل نكتشف الأوبئة من صفحات الكتب؟

ما زلنا في بداية الطريق لفهم ما يمكن أن تكشفه هذه الأدلة البيولوجية. هذا العمل لا يفتح فقط آفاقاً لدراسة الطب، بل قد يسمح لنا مستقبلاً باكتشاف آثار «الأمراض والأوبئة» التي كان يعاني منها القراء أنفسهم، من خلال تحليل مسببات الأمراض التي قد تكون عالقة في البروتينات المتروكة على الورق.

إن دمج العلم البيوكيميائي مع البحث التاريخي التقليدي يمنحنا «آلة زمن» بيولوجية، تحول الكتب القديمة من مجرد وعاء للمعلومات إلى «شهود عيان» على لمسات البشر، وآلامهم، ومحاولاتهم المستمرة للانتصار على المرض. 

إنها دعوة لإعادة قراءة التاريخ، ليس بالعين المجردة فقط، بل تحت المجهر الذي يكشف لنا أن الماضي لا يزال ينبض بالحياة على صفحات كتبه.

تم نسخ الرابط