السبت 10 مايو 2025 الموافق 12 ذو القعدة 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة

في ذكرى رحيله الـ75.. محمد رفعت «قيثارة السماء» وصوت لا ينسى

القارئ نيوز

تحل اليوم، الجمعة 9 مايو 2025، الذكرى الخامسة والسبعون لوفاة الشيخ محمد رفعت، أحد أعظم قراء القرآن الكريم في تاريخ العالم الإسلامي، وصاحب الصوت الذي لا يزال يصدح في الأثير رغم مرور العقود، فقد غاب الشيخ عن الدنيا في مثل هذا اليوم من عام 1950، عن عمر ناهز 68 عامًا، لكنه ترك خلفه ميراثًا صوتيًا وروحيًا خالدًا لا يعرف الغياب.

نشأة متواضعة وصوت من السماء

ولد الشيخ محمد رفعت في التاسع من مايو عام 1882 بحي المغربلين في القاهرة، ونشأ في بيت بسيط، وبدأ حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وأتم حفظه كاملًا وهو في سن العاشرة، وظهرت موهبته الفريدة مبكرًا في تلاوة القرآن بأسلوب رخيم يلامس القلوب.

تولى الإمامة والتلاوة في مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز وهو في سن الخامسة عشرة، ومن هذا المسجد انطلق صوته ليصل إلى كل بيت في مصر، قبل أن يتجاوز حدود الوطن ويصل إلى أنحاء العالم الإسلامي.

قيثارة السماء.. اللقب الذي التصق بصوته

نال الشيخ رفعت عدة ألقاب تعكس عظمة موهبته، أبرزها «قيثارة السماء» و«الصوت الذهبي» و«سفير القرآن».

 ويصفه من عاصروه بأنه كان يمتلك صوتًا فيه من الجلال والخشوع ما يجعل المستمع يغوص في بحور الروحانية والإيمان، وقد جمع في تلاوته بين الإحساس العميق وفهم المعاني وقوة الأداء، ما جعله مدرسة متفردة في فن التلاوة.

لم يكن صوته مجرد تلاوة، بل كان يُعبّر عن معاني القرآن بصدق نادر، وكأنما الكلمات تنبض على لسانه بالحياة، وبهذا الأسلوب جذب إليه قلوب المسلمين من مختلف الأقطار.

لحظة تاريخية.. افتتاح الإذاعة المصرية بصوته

من أبرز المحطات في حياة الشيخ محمد رفعت، اختياره ليكون أول صوت يُفتتح به البث الرسمي للإذاعة المصرية في 31 مايو عام 1934، حين تلا قوله تعالى: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا»

لم تكن تلك اللحظة مجرد حدث إعلامي، بل شكلت منعطفًا تاريخيًا في مسيرة الإعلام الديني في مصر، ورفعت من مكانة التلاوة القرآنية في الفضاء العام.

ومنذ ذلك الحين، صار صوته يرافق المصريين والمسلمين يوميًا، خصوصًا خلال شهر رمضان، حيث تحرص الإذاعة حتى اليوم على بث تلاواته في بداية البرامج الرمضانية، لتظل روحه حاضرة في الوجدان العام.

زهد وورع.. وسيرة أخلاقية تليق بالقرآن

عُرف الشيخ محمد رفعت بتواضعه وزهده وابتعاده عن الأضواء والمظاهر، لم يكن يسعى للمال أو الشهرة، ورفض العديد من العروض التي وُجهت له لتسجيل القرآن كاملًا مقابل مبالغ كبيرة، متمسكًا بأن «القرآن لا يُتاجر به».

ورغم علاقاته الطيبة بالعديد من المسؤولين والشخصيات العامة، لم يقبل أي امتياز خاص، حتى عندما اشتد به المرض، رفض أن يُعالج على نفقة الدولة، وفضّل أن يحتسب أمره إلى الله، محتفظًا بعزة النفس التي ظل متمسكًا بها طوال حياته.

المرض.. ثم الصمت والرحيل

في عام 1943، أُصيب الشيخ رفعت بسرطان في الحنجرة، ما أجبره على التوقف عن التلاوة، وكانت تلك خسارة كبيرة لمحبيه، الذين تعلقوا بصوته لعقود، ورغم آلام المرض، تحمّل الشيخ المحنة بصبر وإيمان، وابتعد عن الأضواء تمامًا، حتى وافته المنية في التاسع من مايو عام 1950.

وكانت المفارقة اللافتة أن يوم وفاته جاء في ذكرى يوم ميلاده، ليظل هذا التاريخ محفورًا في قلوب الملايين من محبيه وتلاميذه.

إرث لا ينسى.. وصوت خالد في ذاكرة الأمة

على الرغم من مرور 75 عامًا على وفاته، لا يزال الشيخ محمد رفعت حاضرًا في وجدان الأمة الإسلامية، يتردد صوته في المساجد والإذاعات والقنوات، ويلقى احترامًا من أجيال لم تعاصره لكنها تأثرت بتلاواته.

أصبح مرجعًا للقراء الجدد، ونموذجًا يُحتذى به ليس فقط في الأداء القرآني، بل في الالتزام الأخلاقي والسلوك الزاهد، وتُدرس مدرسته الصوتية اليوم في معاهد القراءات، حيث يسعى القراء إلى تقليد أدائه المرهف دون أن يستطيعوا بلوغ قامته.

رحم الله الشيخ محمد رفعت، الذي بقي صوته يُهدهد الأرواح، ويزرع الخشوع، ويجمع الناس على حب كلام الله، في زمن قلّت فيه الأصوات الصادقة.

 إن ذكراه تظل شاهدًا على أن الصوت الحق لا يموت، بل يعيش في القلوب ما دام هناك من يتلو، ومن يُنصت، ومن يُؤمن بأن القرآن نور وشفاء.

تم نسخ الرابط