هل يمكن خصم الإيجار من الزكاة؟.. الإفتاء تجيب

«هل يجوز احتساب جزء من الإيجار من الزكاة؟» سؤال يتردد كثيرًا بين الناس في زمن تتفاوت فيه الأوضاع المعيشية وتتغير فيه الظروف الاقتصادية بسرعة، وقد تناول الشيخ أحمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية هذا السؤال خلال حديث تلفزيوني، موضحًا الرأي الشرعي في هذه المسألة الدقيقة التي تمس جانبًا من حياة الناس اليومية المرتبطة بـ«الزكاة» وأداء الحقوق المالية الواجبة على المسلم، إذ إن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي ليست مجرد عبادة مالية بل وسيلة لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وتعد من أهم صور العطاء التي تحفظ التوازن الاقتصادي وتسد حاجة الفقراء والمحتاجين، وهنا يبرز التساؤل حول مدى جواز خصم جزء من الإيجار من مال الزكاة عندما يكون المستأجر في ضائقة مالية لا تمكنه من السداد.
فتوى دار الإفتاء حول «الإيجار والزكاة»
أوضح الشيخ أحمد وسام أن المسألة تُبنى على حالة المستأجر نفسه، فإذا كان المستأجر معسرًا حقًا، أي أن عليه دينًا قد حل أجله ولا يستطيع سداده، فيجوز في هذه الحالة أن يُحتسب المبلغ المتعذر سداده من «الزكاة»، لأن الزكاة شرعت لتخفيف أعباء المعسرين ومساعدة الفقراء والمحتاجين، مؤكدًا أن «الفقهاء أجازوا احتساب الدين المتعذر سداده من الزكاة إذا كان صاحبه فقيرًا أو ذا حاجة واضحة»، وهذا ما يفتح باب الرحمة واللين في التعامل بين الناس ويعزز من روح التعاون التي تدعو إليها الشريعة الإسلامية.
وأضاف أمين الفتوى أن «الدائن» إذا كان هو مالك العقار أو صاحب الشقة، فإنه يجوز له إسقاط الدين المستحق على المستأجر من مال الزكاة بشرط ألا يخبره بذلك، فالأفضل أن يقول له «سدد الله عنك» أو «برئت ذمتك»، دون أن يصرّح بأن هذا المبلغ من أموال الزكاة، لأن الإخفاء في هذا الموضع أقرب إلى الإخلاص وأحفظ لكرامة الفقير، فالمقصود من الزكاة ليس الإحراج ولا المنة، وإنما تحقيق معنى الإحسان والعطاء الذي يبتغي به المسلم وجه الله تعالى.
كتمان الزكاة سبيل إلى الإخلاص
وأشار الشيخ وسام إلى أن «كتمان الزكاة» في مثل هذه المواقف يحقق مقصدًا شرعيًا عظيمًا، وهو أن تبقى يد المعطي خفية فلا يعرف بها الفقير شيئًا، وهو ما يعمق في النفس نية الصدق والإخلاص ويجعل العطاء خالصًا لوجه الله تعالى، فالمسلم حين يعطي من زكاته إنما يخرج جزءًا من ماله ليطهر به نفسه وماله كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾، فإخفاء الأمر عن المستفيد يجعل أثر «الزكاة» في القلب أعظم ويبعدها عن الرياء، وهذا ما دأبت دار الإفتاء المصرية على توضيحه دائمًا في فتاواها.
الزكاة وسداد الإيجار عن المعسرين
وفي المثال الذي ذكره الشيخ وسام، أوضح أنه إذا كان المستأجر قد دفع جزءًا من الإيجار كأن يدفع 500 جنيه من أصل 1000 جنيه، وبقي عليه نصف المبلغ وهو غير قادر على سداده، فيجوز لصاحب المنزل أن يقول له «سدد الله عنك الباقي» ويحتسب هذا الجزء من «الزكاة»، لأن نية الزكاة موجودة من صاحب المال والنية ركن أساسي في صحة إخراج الزكاة، بشرط أن يكون المستأجر من الفئة التي تستحقها شرعًا وهي فئة الغارمين الذين أشار الله إليهم في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ… وَالْغَارِمِينَ﴾، فالمستأجر الذي عجز عن سداد ما عليه من دين يدخل في هذا الباب ويحق له أن يُعان من مال الزكاة.
الزكاة وإسقاط الدين
وشدد أمين الفتوى على أن «إسقاط الدين عن المعسرين» من أعظم أبواب البر والإحسان، فهو لا يعد فقط أداءً للزكاة بل مضاعفة للأجر، لأن صاحبه جمع بين «الزكاة» و«الرحمة»، وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ أي أن التيسير على الناس والتخفيف عنهم من شيم المؤمنين الذين يتعاملون برفق وعدل ورحمة، فالمسلم الذي يعفو عن دين أخيه ابتغاء وجه الله له من الثواب ما يعلمه الله وحده، لأن هذا الفعل ينقذ المحتاج من الضيق ويزرع في المجتمع روح المودة والتراحم.
الزكاة وأثرها الاجتماعي
وأكدت دار الإفتاء عبر أمين الفتوى أن «الزكاة» لا تقتصر على إعطاء المال بشكل مباشر، بل تشمل صورًا متعددة من المساعدة التي تخفف عن الناس ضيقهم، فربما تكون «الزكاة» في سداد دين، أو في إعانة على معيشة، أو في دفع إيجار عن محتاج، أو في إسقاط دين متعسر، وكل هذه الصور تحقق مقاصد الشريعة في إقامة العدل الاجتماعي، ولهذا ينبغي على المسلم أن يتحرى المستحقين بعناية وأن يضع زكاته حيث تكون أكثر نفعًا وأعظم أثرًا.
دعوة للتراحم بين الناس
وختم أمين الفتوى حديثه بدعوة المسلمين إلى مراعاة أحوال بعضهم البعض، خاصة في الأزمات الاقتصادية، مشيرًا إلى أن الزكاة ليست فقط عبادة مفروضة بل رسالة إنسانية عظيمة، إذ قال رسول الله ﷺ «الراحمون يرحمهم الرحمن»، فمن أعطى زكاته بنية خالصة فقد نال الأجرين معًا أجر العبادة وأجر الإحسان، ومن أسقط دينًا عن معسر فقد أحيا في قلبه معاني الرحمة والإيثار.
فالزكاة ليست مجرد إخراج مال بل هي «رسالة توازن وعدل ورحمة» بين الناس، بها تزول الأحقاد وتختفي الفوارق الطبقية، وهي تجسيد عملي لقيمة التعاون في الإسلام، لذا ينبغي أن تُؤدى كما أمر الله تعالى، إخلاصًا وصدقًا، وأن تكون وسيلة دائمة لإحياء روح الأخوة في المجتمع.