الكرملين.. بوتين يلتقي المبعوث الأمريكي في زيارة غير مسبوقة لاستكشاف تسوية الأوكرانية

في تطور لافت على مسار الأزمة الأوكرانية، أعلن الكرملين، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبل مبعوث الرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، في مقر الرئاسة الروسية بموسكو، حيث يجري الطرفان محادثات مباشرة تتناول آفاق تسوية النزاع المستمر في أوكرانيا منذ أكثر من عامين.
وأوضح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في تصريحات صحفية، أن اللقاء يعقد حاليًا خلف الأبواب المغلقة، ويشارك فيه إلى جانب بوتين وويتكوف كل من مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، المعروف بدوره في الملفات الدولية، ورئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف، الذي يرتبط اسمه بعدد من المبادرات الاقتصادية والدبلوماسية غير الرسمية.
ووصل ويتكوف إلى العاصمة الروسية موسكو في زيارة غير معلنة مسبقًا، لبحث السبل الدبلوماسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي دخلت عامها الثالث دون مؤشرات ملموسة على التوصل إلى اتفاق شامل بين روسيا وأوكرانيا، وسط حالة من الجمود العسكري والدبلوماسي على حد سواء.
اجتماع هو الرابع من نوعه
وبحسب مصادر مطلعة في موسكو، فإن لقاء اليوم بين بوتين وويتكوف يُعد الرابع من نوعه منذ أن كلّفه البيت الأبيض كمبعوث خاص للتفاوض غير الرسمي بشأن الأزمة الأوكرانية، والثاني في أقل من شهر، بعد لقاء سابق جرى في 11 أبريل الجاري بمدينة سان بطرسبورغ، واستمر حينها لأكثر من أربع ساعات.
وبينما لم يكشف الكرملين أو البيت الأبيض عن تفاصيل محددة بشأن أجندة لقاء اليوم، توقعت مصادر دبلوماسية أن يتناول الاجتماع عدة ملفات متشابكة، أبرزها سبل وقف إطلاق النار، وخطوط التماس الحالية، إضافة إلى مستقبل مناطق شرق وجنوب أوكرانيا التي أعلنت موسكو ضمها في سبتمبر 2022.
كما رجحت المصادر أن يبحث الطرفان آلية تفعيل قنوات الاتصال العسكرية بين البلدين لتفادي الحوادث، إلى جانب إعادة فتح بعض القنوات الإنسانية التي تعطلت بسبب تطورات الصراع.
إشارة إلى انفتاح دبلوماسي
ويُنظر إلى زيارة ويتكوف الجديدة إلى موسكو على أنها مؤشر على تحرك دبلوماسي جديد، ولو محدود، في ظل تزايد الضغوط الدولية لوقف القتال، وارتفاع كلفة الحرب على الجانبين، سواء من حيث الخسائر البشرية أو الاقتصادية، ناهيك عن تداعياتها الإقليمية على الأمن والطاقة والتجارة.
ورغم التصريحات العلنية المتشددة من الطرفين، إلا أن مراقبين يرون في هذا اللقاء خطوة مهمة نحو إعادة فتح نوافذ الحوار بين واشنطن وموسكو، خصوصًا في ضوء انشغال الغرب بملفات دولية أخرى، أبرزها الوضع في الشرق الأوسط وتصاعد التوترات في بحر الصين الجنوبي.
واشنطن تلتزم الصمت
ولم تصدر وزارة الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض أي بيان رسمي حتى الآن بشأن طبيعة المحادثات الجارية في موسكو.
وامتنع المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي عن التعليق على الزيارة، مكتفيًا بالقول إن الولايات المتحدة ملتزمة بالحل السلمي للنزاع في أوكرانيا وتواصل العمل مع الشركاء الدوليين لدعم هذا الهدف.
لكن تقارير إعلامية أمريكية أفادت بأن ويتكوف حصل على ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية لمواصلة قنوات الاتصال غير الرسمية مع الجانب الروسي، في إطار ما يوصف بـ«الدبلوماسية الخلفية»، وهي نهج تتبعه بعض الدول في حالات النزاع المعقدة، بعيدًا عن الأضواء الإعلامية والضغوط السياسية المباشرة.
الكرملين.. لا شروط مسبقة
من جانبه، قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، في وقت سابق هذا الأسبوع، إن روسيا منفتحة على أي مقترحات بناءة للحل، لكنها لن تقبل بأي شروط مسبقة تتعلق بانسحاب قواتها أو التخلي عن المناطق التي تعتبرها جزءًا من أراضيها.
مضيفًا أن «الرئيس بوتين لطالما أكد على أهمية الحوار إذا كان يستند إلى مبدأ احترام مصالح روسيا الأمنية والسياسية».
وأشار بيسكوف إلى أن بوتين يعتبر التواصل مع المبعوث الأمريكي فرصة لتبادل وجهات النظر، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن المفاوضات الحقيقية ينبغي أن تتم بين موسكو وكييف مباشرة، وهو ما ترفضه أوكرانيا حاليًا في ظل استمرار العمليات العسكرية الروسية على أراضيها.
تساؤلات حول فرص النجاح
ورغم أهمية اللقاء من الناحية الرمزية والدبلوماسية، لا تزال فرص إحراز اختراق حقيقي في الملف الأوكراني تبدو محدودة، بحسب محللين، خاصة في ظل تباين المواقف بين موسكو وواشنطن، وتمسك كل طرف بمطالبه الأساسية.
لكن مجرد استمرار اللقاءات بين بوتين والمبعوث الأمريكي يُعد في نظر بعض الخبراء مؤشرا على أن الخيار العسكري وحده لم يعد كافيا، وأن النخبة السياسية في الجانبين بدأت تفكر في ترتيبات ما بعد الحرب، أو على الأقل في تهدئة تُمكّن من تجنب المزيد من التصعيد الخطير.