عرض عالمي أول لفيلم«سماء بلا أرض» للمخرجة أريج السحيري في مهرجان كان

في خطوة فنية جديدة تعزز من حضور السينما العربية على الساحة الدولية، يفتتح فيلم «سماء بلا أرض» للمخرجة التونسية المتوَّجة بالجوائز أريج السحيري، مسابقة «نظرة ما» ضمن فعاليات الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي الدولي، التي تنطلق خلال الفترة من 13 إلى 24 مايو الجاري، حيث يُعرض الفيلم للمرة الأولى عالميًا يوم الأربعاء 14 مايو في تمام السابعة مساءً، عقب حفل افتتاح هذا القسم مباشرة.

الفيلم هو ثاني الأعمال الروائية الطويلة للمخرجة أريج السحيري، التي سبق أن لفتت الأنظار بفيلمها تحت الشجرة، ويأتي سماء بلا أرض كاستمرار لرؤيتها السينمائية التي تمزج بين التوثيق الإنساني والسرد الدرامي، مستعرضةً في هذه المرة قصة مستوحاة من أحداث واقعية شهدتها تونس مؤخرًا.

دراما إنسانية في قلب الأزمة

تدور أحداث الفيلم حول «ماري»، قسيسة إيفوارية وصحفية سابقة، تعيش في تونس وتفتح أبواب منزلها لتستقبل كلًّا من "ناني"، وهي أم شابة تسعى إلى حياة أكثر استقرارًا، و«جولي»، الطالبة الجريئة التي تحمل على عاتقها أحلام أسرتها.

 وبينما تحاول النساء الثلاث أن ينسجن واقعًا جديدًا يجمع بين التضامن والاختلاف، يُشكّل قدوم طفلة يتيمة نقطة تحول حاسمة، تضع مشاعرهن في اختبار قاسٍ، وتكشف عن هشاشتهن وقوتهن في آنٍ واحد.

يعكس الفيلم من خلال هذه الشخصيات المتنوعة واقعًا اجتماعيًا متأزمًا، حيث تتقاطع قضايا المهاجرين والعدالة والعنصرية في إطار سردي مشحون بالعاطفة والتوتر.

خلفية واقعية.. عنف ومقاومة

سماء بلا أرض ليس مجرد عمل درامي، بل يستمد جذوره من أحداث حقيقية وقعت في تونس خلال فبراير الماضي، عندما طالت موجة من الكراهية والعنف المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء الكبرى. 

وقد تفاقم الوضع بفعل خطاب سياسي شديد اللهجة، أدى إلى تصعيد في الحوادث العنصرية، واعتقالات عشوائية، بل وطرد عدد من المهاجرين من البلاد.

تُسلط أريج السحيري الضوء على هذه القضايا الإنسانية العاجلة من خلال منظور نسائي وإنساني، رافعةً الستار عن واقع يعيش فيه هؤلاء المهمّشون بين مطرقة الرفض وسندان البحث عن الأمان.

فريق عمل متكامل

يشارك في بطولة الفيلم باقة من الأسماء اللافتة في الساحة الإفريقية والعربية، من بينهم النجمة الفرنسية المالية آيسا مايغا، والنجمة الإيفوارية ليتيسيا كي، إلى جانب ديبورا ناني، كما يشارك الفنان التونسي محمد جرايا في أحد الأدوار المحورية.

وحرصت السحيري على التعاون مجددًا مع المصورة السينمائية فريدا مرزوق، الفرنسية التونسية، والتي سبق لها أن عملت معها في فيلم تحت الشجرة.

 وتُعد مرزوق من الأسماء البارزة في مجال التصوير السينمائي، حيث عملت في أفلام عالمية مع المخرج التونسي عبد اللطيف كشيش، مثل حياة أديل وألعاب الحب والصدفة، فضلًا عن مشاركتها في سلسلة جون ويك.

إنتاج مشترك وتأليف جماعي

قامت أريج السحيري بكتابة الفيلم بمشاركة آنا سينيك ومليكة سيسيل لوات، وشارك في إنتاجه ديدار دومهري، ضمن تعاون إنتاجي بين عدة جهات تهتم بدعم السينما المستقلة والملتزمة بالقضايا الاجتماعية والحقوقية.

 ويعكس هذا التعاون الطابع المتعدّد الثقافات للفيلم، الذي يحمل طابعًا إفريقيًا-عربيًا-أوروبيًا على المستويين الفني والموضوعي.

حضور عربي نسوي لافت في كان

مشاركة سماء بلا أرض في مهرجان كان تمثل لحظة مهمة للسينما التونسية والعربية بشكل عام، وتحديدًا لصوت المرأة في الإخراج والكتابة، حيث تقدم السحيري رؤية مشحونة بالواقعية والإنسانية، تعكس التحولات العميقة التي تمر بها المجتمعات العربية والإفريقية، وتعبر عن الهواجس اليومية التي تحاصر الفئات المهمشة.

وتعد مسابقة «نظرة ما» من الأقسام الرسمية الهامة في مهرجان كان، حيث تركز على الأعمال التي تتميز برؤية إخراجية جريئة ومغايرة، ما يجعل عرض سماء بلا أرض في افتتاحها إشارة واضحة إلى تقدير المهرجان لهذا العمل.

نظرة إلى المستقبل

مع ترقّب كبير من النقاد والجمهور، ينتظر أن يُثير الفيلم موجة من النقاشات حول قضايا المهاجرين، والهوية، والتعايش، فضلًا عن كونه إضافة فنية تعزز من حضور السينما النسوية القادمة من الجنوب في المحافل العالمية. 

ويُتوقع أن ينافس الفيلم بقوة على جوائز القسم، وأن يُعرض لاحقًا في مهرجانات أخرى، ما يفتح له الطريق ليكون أحد أبرز الأفلام العربية لعام 2025.