هل يُسمح بمساعدة زميل العمل من أموال الزكاة؟.. دار الإفتاء توضح الشروط

الزكاة تمثل أحد أركان الإسلام الخمسة، وهي فريضة ذات أبعاد روحية واجتماعية تهدف إلى تحقيق التكافل ودعم المحتاجين، وفي هذا السياق جاء سؤال ورد إلى «دار الإفتاء المصرية» بشأن جواز إعطاء الزكاة إلى «زميل في العمل» يعاني من عدم كفاية راتبه الشهري لتغطية احتياجاته الأساسية، لترد الدار موضحة الحكم الشرعي في مثل هذه الحالات التي تمس حياة الكثير من الموظفين والعمال.
وأكدت دار الإفتاء في بيانها الرسمي أن الزكاة يجب أن تُصرف ضمن الفئات الثمانية التي وردت في الآية الكريمة من سورة التوبة، حيث قال الله تعالى ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾، موضحة أن هذه الفئات تشمل كل من يعاني من عجز فعلي في تلبية ضروريات حياته، ولو كان لديه دخل ثابت مثل الراتب.
حكم إعطاء الزكاة للزميل رغم وجود دخل شهري
استنادًا إلى المعايير الشرعية التي تعتمدها دار الإفتاء، فإن الشخص الذي لا يكفيه دخله الشهري لسد حاجاته الضرورية يُعد من فئة «المساكين» الذين يجوز لهم شرعًا تلقي الزكاة، وهذا ما أكده البيان الرسمي للدار عندما أشار إلى قوله تعالى في سورة الكهف ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾، حيث وصف القرآن الكريم أصحاب السفينة بأنهم مساكين رغم أنهم كانوا يملكون وسيلة إنتاج، ما يعني أن امتلاك الدخل لا ينفي وصف «الاحتياج» الذي يجيز أخذ الزكاة.
ومن ثم، فإن إعطاء الزكاة إلى الزميل في العمل جائز شرعًا إذا تبين أن دخله الشهري لا يغطي الحد الأدنى من نفقاته المعيشية، وهو ما يدخل ضمن مقاصد الزكاة القائمة على «رفع الحرج» و«دفع الحاجة» و«تحقيق العدالة الاجتماعية» بين أفراد المجتمع المسلم.
هل يجوز تعجيل إخراج الزكاة قبل موعدها؟ الإفتاء تجيب
وفي محور آخر من محاور الزكاة، تلقّت دار الإفتاء تساؤلات حول حكم «تعجيل إخراج الزكاة» قبل حلول الموعد المحدد لها، فأوضحت الدار أن هذا الأمر جائز شرعًا بلا حرج، ما دام النصاب متحققًا، حتى وإن لم يمر الحول بعد، خاصة في الحالات التي تستدعي التدخل السريع لمعالجة أزمة إنسانية أو سد حاجة عاجلة.
وأضافت الإفتاء أن المبادرة إلى إخراج الزكاة قبل موعدها تُعد من «مظاهر الخير» و«علامات التكافل» و«قيم التضامن المجتمعي» التي أرساها الإسلام، إذ أن الغاية من الزكاة ليست فقط أداء فريضة مالية، وإنما تحقيق مقاصد الرحمة والعدل والتكافل، وهو ما يتحقق في كثير من الأحيان من خلال تعجيل الزكاة لأجل «نجدة محتاج» أو «إغاثة ملهوف» أو «رفع ضائقة عن أسرة فقيرة».
من أي نوع يجب إخراج الزكاة؟ وهل يجوز دفعها نقدًا؟
وحول مسألة إخراج الزكاة من جنس المال المزكى، أوضحت دار الإفتاء أن الأصل أن تخرج الزكاة من نوع المال نفسه، وهو ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن «خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ، وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ، وَالْبَعِيرَ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرَةَ مِنَ الْبَقَرِ».
لكن رغم ذلك، فإن المذهب الحنفي أجاز إخراج القيمة النقدية بدلًا من العين، وقد اعتبر العلماء هذا الرأي مبنيًا على التيسير والتسهيل، لا سيما في الحالات التي تكون فيها القيمة أنفع للمستحق من أخذ عين المال، وهو ما أشار إليه كتاب “الاختيار لتعليل المختار”، مؤكدًا أن تحديد الأجناس في الزكاة لا يجب أن يفهم على أنه إلزام قاطع، بل هو توجيه للأنفع والأصلح في سياق كل حالة على حدة.
الزكاة ليست عبادة مالية فقط بل أداة للإصلاح المجتمعي
يتضح من موقف دار الإفتاء أن الزكاة لا تقتصر على كونها عبادة مالية بحتة، بل هي أداة مركزية لتحقيق الإصلاح المجتمعي، فحين تُعطى الزكاة لزميل محتاج، أو تُعجل الزكاة قبل موعدها لتلبية حاجة ملحة، فإننا بذلك نُحيي مقاصد الشريعة ونُعزز مفهوم الرحمة في التعامل بين الناس.
كما أن الزكاة تسهم في دعم الاستقرار الأسري للعمال والموظفين الذين يعانون من ضيق الحال رغم انخراطهم في سوق العمل، الأمر الذي يجعل الزكاة وسيلة لسد الفجوات الاقتصادية وتحقيق التوازن داخل النسيج الاجتماعي.
خلاصة القول في الزكاة والزمالة والعمل
تؤكد دار الإفتاء المصرية أن الزكاة يجوز إعطاؤها للزميل في العمل إذا لم يكن دخله الشهري كافيًا لسد ضروريات حياته، باعتباره من «المساكين» وفقًا للتوصيف القرآني، كما تجيز إخراج الزكاة قبل موعدها إذا دعت الحاجة لذلك، وتقر بجواز دفع الزكاة نقدًا وفقًا لرأي جمهور من العلماء، لا سيما عند وجود مصلحة حقيقية للمستحق.
وفي نهاية المطاف، تبقى الزكاة وسيلة من وسائل بناء مجتمع متكافل ومتراحم، تسند فيه القوي الضعيف، ويعطي فيه الغني للفقير، دون منّ أو أذى، تطبيقًا عمليًا لقول الله تعالى ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾.