نتنياهو يوافق على إدخال المساعدات لغزة رغم معارضة وزراء

صادق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على استئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، في خطوة جاءت دون تصويت داخل المجلس الوزاري الأمني والسياسي «الكابينيت»، ما أثار حالة من الجدل داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية، لا سيما مع المعارضة الصريحة لبعض الوزراء، أبرزهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
ونقلت القناة 12 الإسرائيلية أن نتنياهو اتخذ قراره في ظل ضغوط أمريكية متزايدة، وسط تدهور غير مسبوق في الوضع الإنساني داخل القطاع، الذي يعيش تحت حصار مشدد منذ مارس الماضي، أدى إلى انهيار شبه كامل في البنية التحتية الصحية، وتوقف المستشفيات عن العمل، خاصة في شمال غزة.
تصدع داخلي في حكومة الاحتلال
قرار إدخال المساعدات لم يكن محل إجماع، بل أثار انتقادات حادة من بعض الوزراء المتطرفين الذين اعتبروا أن الخطوة تمثل ضعفًا سياسيًا وتمنح شريان حياة لحركة حماس.
لكن مصادر مطلعة أشارت إلى أن نتنياهو كان مضطرًا لاتخاذ القرار منفردًا، استجابة للضغوط الدولية، وعلى رأسها الأمريكية، التي عبّرت أكثر من مرة عن استيائها من تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع المحاصر.
ورغم هذه الخطوة، لا تزال الشكوك تحيط بآلية توزيع المساعدات، إذ ترجح تقارير إعلامية أن تتم تحت إشراف عسكري إسرائيلي مباشر، وهو ما دفع عددًا من منظمات الإغاثة الدولية إلى إصدار بيانات تحذيرية، معتبرة أن هذا الإشراف ينتهك مبدأ الحياد الإنساني، ويقوّض ثقة السكان المحليين بالمساعدات المقدمة.
ليلة دموية في غزة.. «مركبة جدعون» مستمرة
في الوقت الذي تفتح فيه إسرائيل نافذة صغيرة لإدخال المساعدات، تتواصل عملياتها العسكرية الواسعة ضمن عملية «مركبة جدعون»، التي وصفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها «الأشرس» منذ بداية الحرب.
وخلال ليلة واحدة، قُتل أكثر من 130 فلسطينيًا في غارات جوية وقصف مدفعي طال مناطق متفرقة من القطاع، بينهم عشرات الأطفال والنساء، بحسب ما ذكرته صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، نقلًا عن مصادر طبية فلسطينية.
وتشهد مناطق الشمال ووسط غزة دمارًا هائلًا، وسط تقارير عن دفن ضحايا تحت الأنقاض لعدم قدرة فرق الإنقاذ على الوصول إلى أماكن الاستهداف، نتيجة استمرار القصف وتدمير الطرق المؤدية إلى المستشفيات.
انهيار الخدمات الصحية بشكل كامل
منظمات الإغاثة الدولية أكدت أن المستشفيات في شمال غزة «خارج الخدمة بالكامل»، مع نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وتوقف أجهزة غسيل الكلى والحضّانات والعناية المركزة.
وأشار الهلال الأحمر الفلسطيني إلى أن بعض الطواقم الطبية لجأت إلى علاج المصابين في الشوارع أو داخل مدارس تابعة للأونروا، مع عجز كامل عن إجراء العمليات الجراحية أو تقديم العناية اللازمة للمصابين.
وقالت المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي: «ما يجري في غزة كارثة إنسانية بكل المقاييس، ولا يمكن للجهود الإغاثية أن تستمر دون ممرات آمنة وتسهيلات حقيقية».
خطوة متأخرة لا تكفي
قرار نتنياهو، رغم اعتباره مكسبًا إنسانيًا في الظاهر، إلا أنه يظل موضع تساؤل حول جديته وفعاليته، في ظل استمرار التصعيد العسكري وتدمير المنازل والمرافق الحيوية، الأمر الذي يجعل إيصال المساعدات وتوزيعها بشكل فعّال شبه مستحيل.
ويرى مراقبون أن الحكومة الإسرائيلية تحاول من خلال هذه الخطوة تخفيف الضغوط الغربية المتصاعدة، خصوصًا بعد موجة الانتقادات التي واجهتها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بشأن استخدام التجويع كأداة حرب، وهي الاتهامات التي رفضتها إسرائيل بشدة، معتبرة أن العملية العسكرية "ضرورية للقضاء على تهديدات حماس".
دعوات لتحقيق دولي
وفي السياق ذاته، جددت منظمات حقوقية دولية، من بينها «هيومن رايتس ووتش» و«العفو الدولية»، دعوتها إلى فتح تحقيق دولي مستقل في ما وصفته بـ«جرائم حرب محتملة» ترتكبها إسرائيل في غزة، لا سيما استهداف المدنيين والمنشآت الطبية.
وتزامنًا مع إعلان إدخال المساعدات، نشرت وسائل إعلام دولية تقارير موثقة حول استهداف قوافل إغاثية سابقًا، ما يثير الشكوك حول مدى التزام الاحتلال بتأمين الممرات الإنسانية وعدم استهدافها مستقبلًا.
الميدان يعرقل أي انفراجة
يبقى الواقع على الأرض هو التحدي الأكبر أمام أي انفراجة إنسانية. فمع استمرار القتال، لا سيما في مناطق مثل بيت لاهيا ورفح، ومع وجود أعداد ضخمة من النازحين داخل مدارس ومخيمات غير مجهزة، فإن المساعدات مهما بلغ حجمها لن تكون كافية لتخفيف حجم الكارثة.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي، يتساءل كثيرون عن جدوى إدخال مساعدات لا تتوافر لها الحماية أو القدرة على التوزيع، متهمين الاحتلال باستخدام الملف الإنساني كأداة علاقات عامة لتخفيف الضغط الدولي، دون تغيير حقيقي في ممارساته على الأرض.