طلاب إعلام الإسكندرية يحيون مأساة عمال «قناة السويس»بعد 150 عاما من الصمت

في صمت الصحراء التي دفنت صرخات آلاف العمال تحت الرمال، وعلى ضفاف قناة السويس التي شُقت بأجساد المصريين، قرر عدد من طلاب معهد الإسكندرية العالي للإعلام أن يعيدوا نبش الذاكرة، ليس بهدف الحنين، بل للإنصاف.
هكذا خرج إلى النور الفيلم التسجيلي «أرواح القناة»، مشروع تخرج لطلاب قسم الإذاعة والتلفزيون، الذي لم يكتفِ بالسرد الأكاديمي بل غاص عميقًا في مأساة إنسانية تجاهلها التاريخ الرسمي طويلًا.
الفيلم الذي حصد المركز الأول على مستوى مشروعات التخرج، لم يكن مجرد إنتاج طلابي عابر، بل حمل رسالة مُحملة بالوجع، أعادت تسليط الضوء على عمال «السُخرة» الذين تم استغلالهم بوحشية في القرن التاسع عشر أثناء حفر قناة السويس، في واحدة من أكبر مآسي العمل القسري في التاريخ الحديث.

استدعاء الماضي إلى منصة العدالة البصرية
يبدأ الفيلم من لحظة الوجع، من هناك، من الصمت الذي خلفته المجارف والسلاسل وأجساد كانت تُدفن حيّة دون أن يُعرف اسمها.
أكثر من 100 ألف فلاح مصري تم اقتيادهم قسرًا من قراهم، ليعملوا في حفر قناة السويس لصالح الشركة الفرنسية المُشغلة، تحت نظام «السخرة»، دون أجر، ودون رحمة.
هؤلاء العمال لم تُدوّن حكاياتهم، ولم تُذكر أسماؤهم في كتب التاريخ، بل تم طمسهم تحت الرمال، حتى جاء هذا الجيل من طلاب الإعلام ليُعيد لهم الصوت، ويُخرجهم من خلف ستائر النسيان.
ديكودراما توثق الجرح بصوت الحاضر
تميّز فيلم «أرواح القناة» بلمسة «ديكودرامية» مؤثرة، حيث لم يكتفِ صانعوه بالمادة التوثيقية فقط، بل قاموا بتمثيل مشاهد قاسية تُجسّد معاناة العمال في تلك الحقبة، حفاة الأقدام، مغمورين في الطين، يحملون مجارف ضخمة بأيدٍ عارية، يصرخون دون صوت، تمامًا كما كانت صرخات أجدادهم الذين لم يجدوا من يسمعهم.
بعض أعضاء الفريق أدوا أدوار التمثيل بأنفسهم، واضعين أرواحهم قبل أجسادهم في تفاصيل الصورة، فالكاميرا في هذا الفيلم لم تكن مجرد أداة بصرية، بل تحولت إلى شاهد قبر، ومسبحة دعاء، وعدسة تمرد على صمت التاريخ.

فريق العمل.. حين يتحول المشروع إلى رسالة
ضم طاقم عمل الفيلم عددًا من الطلاب الذين تشاركوا الرؤية والإحساس، وجاءت أدوارهم متكاملة كالتالي:
عبدالرحمن هيكل – مخرج الفيلم
حسين عادل – مخرج مساعد
يوستينا سامي فهيم – مخرج منفذ
حبيبة أيمن – مدير التصوير
منار مصطفى عبدالحليم حسن – مهندس صوت أول
كارين مجدي – مهندس صوت ثاني
ندى ممدوح محمود – سيناريو وحوار
روان أشرف محمد – فكرة ومراجعة سيناريو
دنيا حسن أحمد – ديكور
روان إبراهيم – ملابس وإكسسوارات 1
منة الله أشرف محمد – ملابس وإكسسوارات 2
هاجر فوزي عبد الحفيظ – مدير إنتاج
رويدا محمد خضر – مساعد إنتاج
شروق نوري سلومة – مدير إضاءة
فريدة محمد – مونتاج
شكر وتقدير لمن آمنوا بالرسالة
وتقدم فريق العمل بالشكر والتقدير إلى الدكتورة شيرين جمال، أستاذ قسم الإذاعة والتلفزيون بالمعهد، والتي كانت الداعم الأول والموجه الرئيسي لخروج هذا العمل إلى النور، حيث وصفها الفريق بأنها «النبض الذي حرّك الصورة».
كما أعربوا عن امتنانهم العميق لـ الدكتورة غادة اليماني، عميد معهد الإسكندرية العالي للإعلام، لحرصها المستمر على تمكين الطلاب ورعاية إبداعاتهم، مؤكدين أن رؤيتها التربوية الداعمة كانت ركيزة أساسية لنجاح المشروع.
ولم ينسَ الفريق توجيه الشكر إلى الدكتورة دنيا عزت، الأستاذ المساعد بالقسم، على متابعتها الحثيثة، وتشجيعها المستمر، وإيمانها بقدرة الطلاب على تقديم عمل بمستوى احترافي.

تفاعل واسع وإشادات أكاديمية
بعد عرضه، لاقى الفيلم تفاعلًا كبيرًا من الحضور داخل المعهد، وحصد إشادات واسعة من لجان التحكيم، التي أثنت على قوة الطرح، وجرأة الفكرة، وتميز المعالجة البصرية والدرامية.
وأجمع الأساتذة على أن «أرواح القناة» يعكس نضجًا فكريًا وفنيًا لدى صانعيه، ومقدرة على الربط بين الماضي والمستقبل من منظور إنساني مؤلم لكنه صادق.
شهادة من لا شهادة لهم
في زمن تُنسى فيه القضايا الكبرى تحت ضجيج اللحظة، نجح هؤلاء الطلاب في أن يجعلوا من مشروع تخرجهم شهادة بصرية حية على واحدة من أبشع صور الاستغلال البشري في تاريخ مصر الحديث.
فـ«أرواح القناة» لم يكن فيلمًا وحسب، بل كان صرخة عدالة، خرجت من تحت الرمال، لعلها تُعيد لضحايا السُخرة شيئًا من كرامتهم المفقودة.
