فيلم «رحيم».. مشروع تخرج يتحول إلى مأساة مجتمعية مصورة

في عالم يصرخ فيه الضعف بصمت، ويختبئ فيه الألم خلف أقنعة الحنان، يطل الفيلم القصير «رحيم» كمرآة مشروخة لواقع مرير تعيشه فتيات كثيرات، فـ العمل هو أحد مشروعات تخرج طلاب معهد الإسكندرية العالي للإعلام، لكنه يتجاوز فكرة «التخرج» إلى رسالة صادمة تُلامس كل من عرف الحب وانكسر فيه.
ليس بطلًا... بل ضحية
«رحيم» لا يأتي بصورة البطل كما اعتدنا، بل يظهر كإنسان محطم يجرّ خلفه بقايا ذاكرة مثقوبة بالخذلان، وأحلامًا سُحقت باسم الحب، في زقاق ضيق يخلو من الرحمة، وخلف جدران من اللامبالاة، يتحرك رحيم حاملاً أعباءه وحده، في ظل غياب العدالة والمجتمع والأسرة، الفيلم لا يحكي فقط قصة فردية، بل يجسد صرخة جيل يشعر أن مشاعره تحوّلت إلى جريمة.
فكرة وسيناريو يلامس القلب
جاءت فكرة الفيلم وسيناريوه على يد الطالبة شهد طارق، التي استطاعت ببراعة أن ترسم ملامح العلاقة السامة، دون أن تقع في فخ التهويل أو التبرير، الحب هنا ليس ملهمًا ولا منقذًا، بل قاتل ناعم يبتسم قبل أن يغرس خنجره.
أما الإخراج فكان بتوقيع محمد مصطفى، الذي نجح في خلق عالم بصري كئيب ومشدود، يعكس بصدق توتر الشخصيات وغموض دوافعها.

إشراف أكاديمي وجهد طلابي مشرف
جاء الفيلم تحت إشراف علمي من الأستاذة الدكتورة غادة اليماني عميد المعهد، والدكتورة شيرين المصري، والمشرف المساعد الأستاذة دنيا عزت، ليظهر العمل في صورة احترافية تحاكي إنتاجات سينمائية أضخم.
ويحسب للفريق الأكاديمي دعمه لفكرة جريئة ومعالجة نفسية لا تخشى طرح الأسئلة المحرّمة عن ماهية الحب، وحدوده، ومتى يتحول من نعمة إلى نقمة.
الحب السام... بطل القصة الحقيقي
يتناول «رحيم» واحدة من القضايا الشائكة المسكوت عنها في العلاقات العاطفية، وهي الحب السام، الذي يبدأ بإعجاب، ثم يتحول إلى تملك، لينتهي أخيرًا بأذى نفسي أو جسدي. يتقصّى الفيلم لحظة التحول من حب إلى عنف، ومن علاقة آمنة إلى كمين.
لا يُقدّم الفيلم أجوبة سهلة، بل يفتح الجرح على اتساعه: «هل نعرف حقًا من نُحب؟»، «هل نحن آمنون في حبنا؟»، «ولماذا تُقتل بعض الفتيات باسم العلاقة؟».

فريق عمل من الشباب الواعد
ما يلفت في الفيلم ليس فقط موضوعه، بل الفريق الطلابي الذي يقف وراءه، والذي يبرهن أن الإبداع لا يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، بل إلى إحساس وصدق.
شارك في صناعة الفيلم:
مريم رفعت – مخرج مساعد
نانسي نادر – مخرج منفذ وممثلة
إسراء وحيد – مدير تصوير
ريم أشرف – مدير إضاءة
أُمنية أشرف – مهندس صوت
ريهام سعد – راكور
حبيبة السيد – Art Director
باسنت رضا – Stylist
آلاء طارق – Makeup Artist وممثلة
محمد خالد بدوي – مدير إنتاج
مصطفى أحمد – منتج منفذ وممثل
فيما جاء التمثيل من نصيب: آلاء طارق، نانسي نادر، مصطفى أحمد، وشهد طارق، حيث قدموا أداءً تلقائيًا معبرًا عن الألم والقهر والمفارقة النفسية دون مبالغة.

جوائز مستحقة لوجع حقيقي
نال «رحيم» جائزة أفضل فكرة وأفضل مونتاج ضمن مشروعات التخرج، وهو تقدير يليق بعمل لا يهادن، ويقتحم المساحات المسكوت عنها في العلاقات. الفيلم لا يكتفي بعرض الأزمة، بل يوجه إهداءه الأخير إلى «كل فتاة فقدت حياتها على يد من أحبّها بطريقته، تلك الطريقة التي لا تشبه الحب، بل تشبه القتل البطيء».
ما بعد الفيلم... سؤال معلّق في الهواء
«رحيم» ليس مجرد تجربة دراسية، بل تجربة إنسانية صادمة، تضعنا أمام مرآة اجتماعية مخيفة: هل فعلاً نُحب بسلام؟ وهل المجتمع جاهز للاعتراف بأن بعض العلاقات العاطفية قد تكون سلاحًا بيد الطرف الأقوى؟ ومتى نضع حدودًا بين الحب والهيمنة؟
وثيقة وجع نُقلت إلى الشاشة
إنه ليس فيلمًا فقط، بل «وثيقة وجع» نُقلت إلى الشاشة، «رحيم» يكتب بصدق ووعي عن وجع لا يُروى، لكنه يُرى في عيون كثيرات، ويُسمع في صمت حكاياتهن، ويُنسى للأسف في زحام الأخبار... إلا من قلوبنا.
