مصر بلا قصور ثقافة؟.. الجبهة الوطنية ترفض وتحذر

أعربت أمانة الثقافة والفنون بحزب الجبهة الوطنية عن قلقها البالغ إزاء قرار وزارة الثقافة بإغلاق عدد من قصور الثقافة في مختلف المحافظات لأسباب وصفتها بـ«غير الواضحة»، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تمثل تهديدًا مباشرًا للبنية الأساسية للثقافة المصرية، ومصدر قلق كبير للأوساط الإبداعية والفكرية.
وفي بيان رسمي صدر عن الأمانة، أكدت فيه على دعمها الكامل لجموع المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي، معتبرة أن قرار إغلاق قصور الثقافة «ينال من الهوية الثقافية المصرية، ويُفقد المجتمع أدواته في مواجهة التطرف والانغلاق».
قصور الثقافة.. منارات التنوير
وأكد بيان الجبهة أن قصور الثقافة ليست مجرد مبانٍ أو منشآت خدمية يمكن الاستغناء عنها أو تأجيل دورها، بل هي مؤسسات ذات طبيعة استراتيجية في معادلة الحفاظ على الوعي الجمعي ونقل المعرفة والتاريخ للأجيال الجديدة، مشددًا على أنها تمثل «جسورًا ثقافية» تصل بين الماضي والحاضر والمستقبل.
وقالت أمانة الثقافة والفنون إن هذه القصور لطالما كانت حاضنات للإبداع ومنابر لإطلاق الطاقات الفنية والفكرية، حيث احتضنت خلال العقود الماضية مواهب في مختلف المجالات من المسرح إلى الموسيقى، ومن الأدب إلى الفنون التشكيلية.
كما أن دورها التنموي لا يقل عن أي مؤسسة أخرى في الدولة، خصوصًا في المناطق الريفية والمهمشة.
دعوة إلى الحوار لا الإغلاق
وشدد بيان الجبهة على أهمية انتهاج وزارة الثقافة لأسلوب الحوار المجتمعي، قبل اتخاذ قرارات مصيرية تمس شريحة كبيرة من المواطنين، مطالبًا بإتاحة الفرصة أمام المعنيين بالشأن الثقافي لتقديم حلول بديلة تسهم في تطوير ودعم هذه القصور بدلاً من إغلاقها.
وأشارت أمانة الحزب إلى أن هناك العديد من البدائل التي يمكن العمل عليها، مثل إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في دعم وتمويل الأنشطة الثقافية، أو فتح المجال أمام المبادرات التطوعية لإدارة بعض هذه القصور، بما يضمن استمرارية خدماتها وفاعلية دورها المجتمعي.
التأثيرات السلبية المحتملة
ورأت أمانة الثقافة والفنون أن الاستمرار في نهج إغلاق قصور الثقافة يحمل في طياته تداعيات خطيرة، قد تؤدي إلى حرمان الآلاف من الشباب والناشئة من منصات التعبير الإبداعي، وبالتالي تقل فرص التفاعل الثقافي والتربوي داخل المجتمع، وهو ما يساهم في تراجع الوعي الفكري، وتزايد الفجوة بين الأجيال، وربما تنامي أفكار متطرفة أو انعزالية.
كما حذرت الأمانة من أن هذا القرار قد يسهم في إضعاف الهوية الوطنية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز قواها الناعمة وبناء أجيال قادرة على مواجهة التحديات بالفكر والمعرفة، وليس فقط بالمواجهة الأمنية أو الخطاب الرسمي.
مطلب بتدخل رئاسي وتشريعي
وفي ختام بيان الجبهة، طالبت أمانة الثقافة والفنون القيادة السياسية والبرلمان بالتدخل العاجل لوقف هذا المسار، وفتح تحقيق موسع حول أسباب هذا التوجه، داعية لجلسات استماع تضم ممثلين عن وزارة الثقافة والهيئات المعنية والمثقفين والمجتمع المدني، للوصول إلى رؤية وطنية متكاملة لإحياء دور قصور الثقافة وتوسيع أثرها.
وأشادت الأمانة بالدور الوطني الذي تقوم به بعض القصور التي ما تزال صامدة رغم ضعف الإمكانات، مؤكدة أن دعمها وتطويرها سيكون له مردود مباشر على تحسين نوعية الحياة الثقافية والفنية في مصر، وتعزيز الانتماء الوطني في وجدان المواطن، لا سيما في المحافظات الحدودية والمهمشة.
الثقافة في خطر
وفي الوقت ذاته، أبدى العديد من المثقفين تضامنهم مع ما جاء في بيان حزب الجبهة، مؤكدين أن إغلاق قصور الثقافة يمثل مؤشراً خطيراً على تراجع الاهتمام بالثقافة الرسمية، ويفتح الباب أمام أشكال موازية من «ثقافات الهامش» غير المنضبطة، التي قد تؤثر سلباً على قيم المجتمع وثوابته.
ويأتي هذا الجدل وسط تحديات اقتصادية تواجهها الدولة، مما يدفع ببعض الجهات الرسمية لتقليص النفقات وتصفية بعض الأنشطة، وهو ما تراه قوى الثقافة والفكر «اختزالًا ضارًا» لدور الثقافة في بناء الأمم، و«حلاً سهلاً لكنه مكلف على المدى البعيد».
ويظل مستقبل قصور الثقافة معلقاً بين قرارات الوزارات، وصوت المثقفين، وانتظار موقف القيادة السياسية، في وقت تعيش فيه مصر لحظة فارقة تستدعي التمسك بأدوات الوعي لا التفريط فيها.