هل بداية كل شهر هجري موعد لتجديد السحر؟.. منشورات الفيسبوك تثير الجدل

السحر لا يزال من أكثر الموضوعات التي تثير اهتمام الناس وتدفعهم للبحث عن تفسيرات روحية ونفسية لما يمرون به من تعب أو ضيق، ومؤخرًا انتشرت عبر «منصات فيس بوك» وتطبيقات التواصل الاجتماعي منشورات تزعم أن بداية كل شهر هجري هي توقيت ثابت لما يسمى «تجديد السحر»، حيث يدّعي البعض أن المصابين بالسحر يشعرون بتعب مفاجئ وأعراض متكررة بمجرد دخول اليوم الأول من الشهر الهجري، ما أثار الكثير من الجدل حول صحة هذه المزاعم من الناحية الشرعية والعلمية.

منشورات عن السحر تُشعل مواقع التواصل

تداول عدد كبير من المستخدمين على فيس بوك ومنصات أخرى منشورات تتحدث عن أن بداية الشهر الهجري تشهد حالات تعب نفسي وجسدي يشعر بها البعض دون سبب واضح، ويقول ناشرو هذه المنشورات إن ما يحدث سببه «تجديد السحر» الذي يقوم به من يزعمون قدرتهم على استخدام «أعمال غير شرعية» لإلحاق الضرر بالآخرين، مؤكدين أن هذا «التجديد» يحدث بشكل دوري في نفس التوقيت من كل شهر.

لا دليل شرعي أو علمي على تجديد السحر

وبالرجوع إلى آراء المتخصصين في العلوم الشرعية والنفسية يتضح أن كل هذه المزاعم عن تجديد السحر في أول الشهر الهجري لا تستند إلى أي دليل شرعي واضح من الكتاب أو السنة، كما أنه لا توجد مرجعية علمية أو طبية تؤكد أن هناك تغيرًا بيولوجيًا أو نفسيًا عامًا يحدث مع بداية الشهر القمري يسبب تعبًا مفاجئًا، ولذلك فإن هذه المنشورات تُعد من قبيل الاجتهادات الشخصية التي قد تؤدي إلى نشر «الخوف والوهم» بين الناس دون أساس.

السحر والإصابة به.. فهم متوازن مطلوب

رغم عدم وجود دليل على تجديد السحر دوريًا في بداية كل شهر إلا أن الإسلام لم ينكر وجود السحر نفسه، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم أكثر من مرة، لكن الشرع دعا دائمًا إلى عدم المبالغة في نسب كل ما يحدث من مشكلات أو أعراض نفسية أو جسدية إلى «السحر أو الحسد»، وشدد العلماء على ضرورة الجمع بين «الأسباب الدنيوية» و«التحصينات الشرعية»، وذلك عن طريق التداوي والقراءة والذكر بدلاً من الركون إلى تفسيرات غيبية دون تحقق.

علامات يربطها البعض بتجديد السحر

يشير بعض من يروّجون لموضوع تجديد السحر إلى علامات معينة يقولون إنها تتكرر مع دخول كل شهر هجري، ومن هذه العلامات الشعور بالخمول العام والتعب دون أسباب واضحة، وصداع مستمر لا يستجيب للعلاج، وكثرة التثاؤب خاصة عند سماع القرآن، واضطرابات في النوم تصاحبها كوابيس، إلى جانب انخفاض النشاط الذهني المفاجئ وتشتت التركيز، لكن المتخصصين يؤكدون أن هذه الأعراض قد تكون مرتبطة أيضًا بأسباب طبية مثل نقص الفيتامينات أو مشكلات في الجهاز العصبي أو اضطرابات نفسية تستدعي زيارة الطبيب.

السحر والتحصين المشروع

مع الاعتراف بوجود السحر في إطار ما أقره القرآن الكريم والسنة النبوية، فإن الشريعة وضعت للمسلم وسائل للتحصين والوقاية لا تحتاج إلى خوف أو تهويل، ومن أهم هذه الوسائل قراءة أذكار الصباح والمساء بانتظام، والمحافظة على تلاوة المعوذتين وسورة الفاتحة، وسورة البقرة لما فيها من فضل عظيم، كما أن الالتزام بـ«الرقية الشرعية» الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل ما يُستعان به لمواجهة أي أذى روحي أو نفسي.

دعاء يُرد به السحر بإذن الله

من الأدعية التي يمكن أن يرددها المسلم لتحصين نفسه من السحر ما ورد في بعض كتب العلماء والدعاء به لا يخالف الشرع إذا كان متوافقًا مع العقيدة، ومن هذه الأدعية: «اللهم إنك أقدرت بعض عبادك على السحر والشر، ولكنك احتفظت لذاتك بإذن الضر، فأعوذ بما احتفظت به مما أقدرت عليه بحق قولك الكريم: «وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله»، وهذا الدعاء يُستحب ترديده مع اليقين بأن النفع والضر بيد الله وحده وأن أي ضرر لا يقع إلا بمشيئته.

السحر في ميزان العقل والدين

المبالغة في تفسير كل متاعب الحياة بأنها نتيجة لـ«السحر أو الحسد» يفتح بابًا واسعًا من الأوهام وقد يقود البعض للوقوع في دائرة من القلق والوساوس، ولذلك يجب على من يعاني من أعراض متكررة غير مفسرة أن يبدأ بالتحقق الطبي ثم النفسي، وإن لم يجد تفسيرًا واضحًا يمكن حينها التوجه إلى التحصينات الشرعية، دون أن يغفل عن أن التوازن بين العقل والنقل هو مفتاح السلامة النفسية والدينية.

فيس بوك ومخاطر الإشاعة حول السحر

يشكل فيس بوك وغيره من المنصات الرقمية بيئة خصبة لانتشار مثل هذه المنشورات التي تروّج لفكرة تجديد السحر بداية كل شهر، وغالبًا ما تكون هذه المنشورات دون مرجعية واضحة وتعتمد على تجارب شخصية أو تفسيرات مغلوطة للنصوص، لذلك ينصح الخبراء بضرورة التعامل بحذر مع هذا النوع من المحتوى وعدم إعادة نشره إلا بعد التأكد من صحته، كما أن نشر هذه المنشورات قد يُرسّخ مفاهيم مغلوطة ويزيد من حالات الوسواس لدى بعض الناس.