«النهر المحترق» يعبر الحدود.. ندوة أدبية تحتفي بالشعر الفنزويلي بمعرض كراكاس للكتاب

في لحظة احتفاء بالشعر بوصفه لغة كونية تتجاوز الحدود الجغرافية وحواجز اللغة، استضافت المنصة الرئيسية لمعرض فنزويلا الدولي للكتاب – كراكاس 2025، ندوة أدبية مميزة ضمن فعاليات مشاركة مصر كضيف شرف هذا العام. وقد جاءت الندوة للاحتفاء بإصدار الترجمة العربية لديوان «النهر المحترق» للشاعر الفنزويلي البارز خورخي رودريجيث، في طبعة جديدة صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
ديوان يجمع الشعر بالسياسة
الندوة، التي جمعت بين الجماليات الشعرية والرؤى الثقافية والسياسية، سلطت الضوء على التجربة الإبداعية الخاصة بالشاعر خورخي رودريجيث، الذي يعرف إلى جانب كونه أحد أبرز الأصوات الشعرية في أمريكا اللاتينية، بأنه رئيس البرلمان الفنزويلي الحالي، مما يمنح تجربته طابعًا إنسانيًا خاصًا يمزج بين التزام المثقف وواقعية السياسي.
ويعد ديوان «النهر المحترق» أحد أبرز الأعمال التي تُجسد التلاقي بين الهم الإنساني والخيال الشعري، وتُعبر قصائده عن مزيج من الألم والأمل، المأساة والأمل، في بنية شعرية رمزية آسرة. وقد قام بترجمة الديوان إلى العربية الدكتور خالد سالم، أستاذ الأدب الإسباني المعروف، في عمل مدعوم من الهيئة المصرية العامة للكتاب، ليكون بذلك أحد أبرز إنجازات الترجمة الشعرية لهذا العام.
إدارة حوارية برؤية نقدية
أدار الندوة الكاتب والصحفي الفنزويلي الشاب «خيسوس إرنستو بارا»، أحد الأسماء البارزة في الصحافة الثقافية اللاتينية، ومؤسس عدد من المجلات الأدبية المستقلة التي ساهمت في إعادة تشكيل الذائقة الشعرية المعاصرة في فنزويلا.
وقد أضفى بارا بُعدًا نقديًا مميزًا على النقاش، من خلال ربطه بين الشعر الفنزويلي وسياقه الاجتماعي والسياسي.
وانطلق النقاش من سؤال محوري هو: «لماذا نترجم الشعر؟» في وقت تتصدر فيه الرواية مشهد النشر العالمي. وقد أجمع المشاركون على أن الشعر، رغم انحسار حضوره التجاري، يظل التعبير الأصفى عن الإنسان، ويُعد ترجمته فعلًا إنسانيًا عابرًا للغة والثقافة، لا مجرد ترف لغوي.
خالد سالم.. الترجمة الشعرية عمل دقيق
في مداخلته، تحدّث الدكتور خالد سالم عن التحديات الفنية والجمالية التي واجهها في ترجمة ديوان «النهر المحترق»، مشيرًا إلى غِنى الصور الشعرية وخصوصية الإيقاع في النصوص الأصلية، ما تطلب حرصًا بالغًا في نقل المعاني دون الإخلال بروح النص.
وأشار إلى أن الترجمة الشعرية تختلف عن غيرها من أنواع الترجمة، لأنها لا تنقل معنى فقط، بل إحساسًا كاملاً، وتحتاج إلى فهمٍ عميق للثقافة التي أنتجت النص، وإبداع موازٍ في اللغة المنقول إليها.
أحمد بهي الدين.. الشعر نافذة لاستعادة الذات الثقافية
ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد بهي الدين، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن الهيئة تنظر إلى الترجمة بوصفها خيارًا استراتيجيًا لتعزيز الحضور الثقافي المصري والعربي في المشهد الدولي.
وقال في كلمته خلال الندوة: «اختيار ديوان شعري ليكون من أولى الأعمال المترجمة ضمن فعاليات ضيف الشرف، رسالة واضحة بأن الشعر لا يزال يحتل مكانة جوهرية في وجداننا الثقافي».
وأضاف بهي الدين: «الشعر، في جوهره، يُعبّر عن الإنسان بكل ما فيه من هواجس وهويات، وهو ما يجعل انفتاح الثقافة العربية على شعر الآخر ليس مجرد تلاقٍ لغوي، بل استعادة لروحنا الشعرية الأصيلة».
حضور دبلوماسي وثقافي لافت
شهدت الأمسية حضورًا دبلوماسيًا وثقافيًا بارزًا، تقدمهم السفير المصري لدى فنزويلا «كريم أمين»، وعدد من كبار المسؤولين الفنزويليين، إلى جانب نخبة من الأدباء والمثقفين والمترجمين والصحفيين اللاتينيين. وقد تحوّلت الندوة إلى مساحة حيّة من الحوار الثقافي الذي تجاوز الرسمي إلى التفاعل الإنساني العميق.
الشعر بوصفه جسرا بين الثقافات
واختتمت الندوة بتأكيد مشترك من المشاركين على أن ترجمة «النهر المحترق» ليست فقط نقلًا أدبيًا لعمل مميز، بل نافذة مشرعة بين ثقافتين تبدوان بعيدتين جغرافيًا، لكن تلتقيان وجدانيًا في الشغف بالمعنى، والبحث عن الجمال، والاحتفاء بالتعبير الصادق عن الذات.
وهكذا، عبرت القصيدة الفنزويلية حدود اللغة لتصل إلى القارئ العربي، محمّلة بروح إنسانية مشتركة، تؤكد أن الشعر حين يُترجم بمحبة ووعي، لا يفقد لغته.. بل يستعيدها في مرآة الآخر.