الأحد 07 سبتمبر 2025 الموافق 15 ربيع الأول 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

«صفقة مثيرة للجدل».. تمويل إسرائيلي ضخم لجوجل لتغيير الرواية عن غزة

صفقة جوجل واسرائيل
صفقة جوجل واسرائيل

صفقة استثنائية تجمع بين شركة «جوجل» ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أبرم الجانبان عقداً إعلانيًا مثيرًا بقيمة 45 مليون دولار لمدة 6 أشهر، صُمم لغسل وتجميل صورة إسرائيل أمام العالم، عبر بث «دعاية» رسمية تهدف إلى إنكار أو تقليل حدة الأزمة الإنسانية في غزة، وخفض وهج الانتقادات الدولية.

خلفية الصَفقة والإطار الزمني

لم تأت هذه الصفقة بشكل مفاجئ أو خارج السياق، بل جاءت في لحظة سياسية وإعلامية حساسة للغاية، حيث سعت إسرائيل في السنوات الأخيرة إلى السيطرة على السرد الإعلامي الدولي، وخاصة فيما يتعلق بالحرب على غزة، وقد وجدت في شركة جوجل بما تملكه من أدوات رقمية قوية ومنصات واسعة الانتشار فرصة مثالية لتشكيل صورة جديدة أمام الرأي العام العالمي، ففي أواخر شهر يونيو 2025، أكدت تقارير عدة أن الاتفاق مع جوجل تم بعد اجتماعات مطولة بين ممثلين عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي وفريق متخصص من الشركة، وهو ما يوضح أن الصفقة لم تكن مجرد حملة عابرة، بل جزء من إستراتيجية أوسع لإعادة بناء الصورة الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي.

أهداف الصفقة وآلياتها

تتضح أهداف هذه الصفقة من خلال مضمونها الدعائي المباشر، فهي تسعى إلى نفي وجود مجاعة في غزة وتقديم صورة معاكسة تمامًا للتقارير الدولية التي تؤكد الكارثة الإنسانية هناك، وتعتمد الحملة على نشر محتوى إعلاني عبر منصات متعددة مثل YouTube وGoogle Display & Video 360، وهي منصات قادرة على الوصول إلى ملايين المستخدمين حول العالم في لحظات قليلة، وقد وصفت الوثائق الرسمية الحملة بمصطلح «هاسبارا» وهو تعبير عبري يشير إلى الدعاية السياسية الموجهة، ما يكشف عن نية واضحة لاستخدام أدوات التكنولوجيا العملاقة لتغيير مسار النقاش العام وتزييف الواقع لصالح رواية إسرائيل الرسمية.

السرد الدعائي وسُبُل التنفيذ

الحملة بدأت فعليًا بإطلاق فيديو قصير عبر منصة يوتيوب من وزارة الخارجية الإسرائيلية تحت عنوان “هناك طعام في غزة أي ادعاء آخر هو كذبة”، وقد جاء هذا الفيديو ليضرب مباشرة في صميم الرواية الأممية والحقوقية التي تحدثت عن نقص الغذاء والمجاعة، ولإضفاء مزيد من القوة على الحملة تم دعم الفيديو بملايين الدولارات من الإعلانات المدفوعة، ما جعله ينتشر بسرعة كبيرة محققًا أكثر من 6 ملايين مشاهدة في فترة وجيزة، ويكشف ذلك كيف يمكن للأموال الضخمة أن تخلق واقعًا إعلاميًا موازيًا يختلف تمامًا عما يجري على الأرض.

امتدادات الصفقة إلى منصات أخرى

لم تتوقف الصفقة عند جوجل فقط، بل امتدت إلى منصات إضافية أخرى لتعزيز الرسائل الموجهة، حيث أنفقت إسرائيل نحو 3 ملايين دولار على منصة X المعروفة سابقًا باسم تويتر، كما دفعت ما يقرب من 2.1 مليون دولار على منصة Outbrain/Teads الفرنسية الإسرائيلية، وهو ما يوضح أن الحملة لم تكن معزولة بل شاملة ومتكاملة، تهدف إلى السيطرة على أكبر عدد ممكن من قنوات التواصل الرقمية، لتشكيل جدار إعلامي يصعب على الروايات الأخرى اختراقه، خاصة تلك الصادرة من منظمات إنسانية أو حقوقية.

التصريحات الرسمية لبدء الحملة

تعود جذور هذه الحملة إلى نقاشات داخل الكنيست في الثاني من مارس 2025، حينما طرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ضرورة مواجهة الروايات العالمية التي تتحدث عن مجاعة، وقد اعتُبر ذلك لحظة مفصلية دفعت الحكومة إلى التفكير في إطلاق حملة رقمية ضخمة، ثم جاء دور وزارة الخارجية لتقديم تصور عملي مدعوم بميزانية، ومن هنا كانت البداية الفعلية للاتفاق مع جوجل وشركائها، ما يعكس أن القرار لم يكن وليد اللحظة بل ثمرة نقاش سياسي وعسكري موسع.

رد الفعل الدولي والحالة الإنسانية

في المقابل، فإن الواقع الإنساني في غزة لا يعكس مطلقًا ما تروج له الحملة الإسرائيلية، فقد أصدرت الأمم المتحدة في أغسطس 2025 تقريرًا رسميًا يحذر من وجود مجاعة حقيقية في القطاع، وأكدت أن هذه المجاعة من صنع الإنسان بالكامل نتيجة الحصار وإعاقة وصول المساعدات، كما قدّرت الوفيات الناجمة عن الجوع وسوء التغذية بنحو 367 حالة، من بينهم 131 طفلاً، وهو رقم صادم يعكس حجم الكارثة، وقد شددت منظمات حقوقية عدة على أن استخدام الدعاية الرقمية في إنكار هذه الحقائق يمثل جريمة أخلاقية إضافية تضاف إلى المأساة الإنسانية نفسها.

التحليل والتداعيات

الصفقة بين إسرائيل وجوجل بما تحمله من أبعاد مالية وإعلامية لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الدولي، فهي تكشف عن مستوى عالٍ من التنسيق بين دولة تسعى لتجميل صورتها وشركة تكنولوجية عابرة للقارات تبحث عن الربح والتأثير، الأمر الذي يثير تساؤلات كبرى حول مسؤولية الشركات الكبرى في النزاعات، وهل يجوز لها أن تكون طرفًا في حملات دعائية قد تضلل ملايين البشر، كما أن هذه الصفقة تبرز أهمية التدقيق في كل ما يُنشر عبر المنصات الرقمية، إذ يمكن أن تتحول إلى أداة خطيرة لتغيير الرأي العام، لا سيما أثناء الأزمات الإنسانية التي يفترض أن تستدعي تعاطفًا عالميًا لا حملات تضليل.

الصفقة التي بلغت قيمتها 45 مليون دولار ليست مجرد اتفاق مالي، بل هي انعكاس لعصر جديد أصبحت فيه التكنولوجيا والإعلانات المدفوعة سلاحًا سياسيًا بامتياز، سلاحًا يُستخدم لتغيير السرديات وطمس الحقائق، وهو ما يجعل من الضروري فتح نقاش عالمي أوسع حول أخلاقيات الدعاية الرقمية ودور الشركات العملاقة في النزاعات الدولية، فصفقة من هذا النوع تتجاوز كونها مجرد عقد دعائي لتصبح قضية سياسية وأخلاقية من الطراز الأول.

تم نسخ الرابط