تكاليف الصيانة والوقود.. أيهما أنسب السيارات الكهربائية أم العادية؟

السيارات أصبحت اليوم في قلب النقاش العالمي حول «الطاقة» و«التكلفة» و«الاستدامة»، ومع تصاعد الاهتمام بالسيارات الكهربائية وتنامي سوقها في العالم، يقف المستهلك أمام تساؤل جوهري، أيهما أكثر توفيرًا من حيث الصيانة والوقود، السيارات التقليدية التي تعمل بالبنزين والديزل أم السيارات الكهربائية التي تعتمد على البطاريات والشحن، هذا السؤال لم يعد نظريًا بل أصبح مرتبطًا بالقرار الشرائي لكل أسرة أو شركة تبحث عن وسيلة تنقل فعالة واقتصادية.
السيارات بين الماضي والحاضر
السيارات التقليدية سيطرت على طرق العالم لعقود طويلة، وقد تميزت بقوة محركاتها وانتشار محطات الوقود في كل مكان، لكن في المقابل، كانت «تكاليف الصيانة» دائمًا عنصرًا يثقل كاهل أصحابها، إذ إن محركات الاحتراق الداخلي معقدة وتحتوي على مئات الأجزاء المتحركة التي تتعرض للتآكل مع الاستخدام، ما يجعل الحاجة إلى تغيير الزيت والفلاتر وأجزاء المحرك بشكل دوري أمرًا حتميًا، بينما جاءت السيارات الكهربائية لتقدم «ثورة تقنية» مختلفة، فهي تعتمد على محرك كهربائي بسيط نسبيًا وبطارية ضخمة، ما يقلل من الحاجة إلى صيانة دورية ويجعل المستخدم يتعامل مع أعطال أقل بكثير.
تكاليف الوقود
عند الحديث عن الوقود، نجد أن السيارات العادية تستهلك كميات كبيرة من البنزين أو الديزل، وهو ما يجعل تكلفتها الشهرية أو السنوية مرتفعة، خاصة في الدول التي ترتفع فيها أسعار المحروقات، في المقابل، تعتمد السيارات الكهربائية على «الكهرباء» التي يمكن شحنها من المنزل أو من محطات الشحن العامة، وتظهر الإحصاءات أن تكلفة شحن السيارة الكهربائية لمسافة 100 كيلومتر أقل بكثير من تكلفة تزويد سيارة عادية بالوقود لقطع المسافة نفسها، وهذا الفارق في التكاليف التشغيلية يوضح أن السيارات الكهربائية أكثر كفاءة على المدى الطويل.

تكاليف الصيانة
السيارات الكهربائية تتفوق في جانب الصيانة بشكل ملحوظ، فهي لا تحتاج إلى تغيير زيت المحرك أو شمعات الاحتراق أو الفلاتر المعقدة، بل إن معظم ما تحتاجه هو متابعة البطارية والإطارات ونظام الفرامل، أما السيارات العادية فتتطلب زيارات متكررة لمراكز الصيانة، ويُضاف إلى ذلك احتمالية أعطال في أنظمة العادم أو التبريد أو ناقل الحركة، وهذه كلها عناصر ترفع التكلفة على المدى البعيد، وبذلك يظهر أن «الميزانية السنوية» لمستخدم السيارة الكهربائية قد تكون أقل بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بمستخدم السيارة التقليدية.
عمر البطارية وتأثيره على التكلفة
رغم المزايا العديدة للسيارات الكهربائية، إلا أن هناك نقطة مثيرة للجدل، وهي تكلفة البطارية، إذ إن عمر البطارية يتراوح عادة بين 8 و12 سنة، وعند استبدالها قد تصل التكلفة إلى نصف ثمن السيارة تقريبًا، ومع ذلك، تعمل شركات تصنيع السيارات على تطوير بطاريات أكثر كفاءة وأطول عمرًا، كما بدأت بعض الدول في تقديم حوافز وبرامج لإعادة تدوير البطاريات مما يقلل العبء المالي المتوقع على المدى الطويل.

الراحة وتجربة القيادة
السيارات الكهربائية تقدم تجربة قيادة هادئة وسلسة، فالمحرك الكهربائي لا يصدر ضجيجًا، كما أن التسارع فوري تقريبًا، وهذا يمنح المستخدم إحساسًا بالراحة لا توفره السيارات التقليدية، غير أن البعض ما زال يفضل «أصوات المحركات» القوية التي تميز السيارات العادية، خاصة من عشاق السرعة والسيارات الرياضية، وهذا العامل النفسي قد يؤثر على قرار الشراء رغم الفوارق الاقتصادية.
البنية التحتية للشحن
من النقاط التي تؤثر على جدوى اقتناء السيارات الكهربائية مسألة البنية التحتية، ففي بعض الدول لا تزال محطات الشحن محدودة، ما يجعل الاعتماد عليها صعبًا خاصة في الرحلات الطويلة، بينما السيارات التقليدية تستفيد من شبكة محطات وقود ضخمة منتشرة منذ عقود، ومع ذلك، تتسارع الحكومات في العالم إلى الاستثمار في البنية التحتية للشحن وتوفير «محطات سريعة» تقلل من هذا التحدي، وهو ما قد يحسم المنافسة لصالح السيارات الكهربائية مستقبلًا.

أيهما الأنسب من حيث التكاليف؟
الإجابة النهائية قد تختلف حسب ظروف كل شخص أو سوق، ففي الدول ذات أسعار الوقود المرتفعة، تبدو السيارات الكهربائية أوفر بلا شك، أما في الدول التي تدعم أسعار البنزين أو الديزل، فقد تستمر السيارات التقليدية في الهيمنة لفترة أطول، لكن بشكل عام، تشير الدراسات إلى أن من يقتني سيارة كهربائية ويوفر تكاليف الوقود والصيانة مع مرور الوقت قد يعوض فارق السعر الأولي المرتفع خلال 3 إلى 5 سنوات، لتصبح السيارة الكهربائية خيارًا اقتصاديًا بامتياز.
السيارات لم تعد مجرد وسيلة نقل، بل أصبحت جزءًا من «رؤية مستقبلية» للطاقة والبيئة والاقتصاد، ومع أن السيارات التقليدية ما زالت موجودة وتؤدي دورًا مهمًا في حياتنا اليومية، إلا أن السيارات الكهربائية تكسب أرضًا جديدة كل يوم بفضل انخفاض تكاليف التشغيل والصيانة، ومع تطور التكنولوجيا ودعم الحكومات، قد نصل قريبًا إلى مرحلة تصبح فيها السيارات الكهربائية هي الخيار الأكثر شيوعًا بين المستهلكين.