موضة غريبة تجتاح تركيا.. عمليات «قص العظام» لتقصير القامة بين النساء

قص العظام خيار غير تقليدي بات يجتاح عالم الجمال في تركيا، حيث لجأن بعض النساء إلى اللجوء لـ «عمليات» غريبة تهدف إلى تقصير القامة في سعيهن لتحقيق ما يعتبرنه «مطلوبًا» اجتماعيًا وقبوليًا، وهو ما فتح الباب أمام نقاشات واسعة حول الجوانب الطبية والنفسية والقيمية لهذه الصيحة، ومع انتشار الحديث عن «قص العظام» أصبح هذا الموضوع من أكثر القضايا إثارة للجدل في المجتمع التركي وفي الأوساط الطبية حول العالم، خاصة مع ما يحمله من مخاطر صحية وأبعاد اجتماعية تتقاطع مع قضايا القبول النفسي وضغوط التوقعات الاجتماعية.
نظرة على الصيحة والمحفزات
هذه الصيحة لم تأتِ من فراغ، بل نشأت نتيجة تراكمات اجتماعية وثقافية تعكس نظرة المجتمع إلى المرأة وطبيعة المعايير الموضوعة للجمال، إذ يرتبط الطول في كثير من الثقافات بمعايير خاصة، ففي حين يعتبره البعض ميزة جمالية، يرى آخرون أن الطول الزائد قد يمثل عائقًا، خاصة في العلاقات الزوجية، وقد تداولت بعض الدراسات المجتمعية آراء تفيد بأن بعض الرجال يفضلون أن تكون شريكات حياتهم أقصر منهم قامة، ما جعل بعض النساء ذوات القامة الطويلة يشعرن بضغط داخلي ورغبة في التغيير لتلائم هذه المعايير، وهنا ظهر خيار «قص العظام» باعتباره حلًا طبيًا خارقًا، لكنه يحمل في طياته أبعادًا نفسية واجتماعية عميقة.
ما هي عملية «قص العظام»؟
عملية «قص العظام» من الناحية الطبية معقدة للغاية، وتعتمد على قطع جزء من عظام الساق أو الفخذ أو كليهما، ثم إعادة تثبيت هذه الأجزاء باستخدام قضبان معدنية دقيقة، ويخضع المريض خلالها لتقنيات جراحية دقيقة تتطلب متابعة طويلة الأمد، ويمكن أن تؤدي إلى تقصير الفخذ بما يصل إلى 5.5 سنتيمتر، والساق بما يقارب 3 سنتيمترات، وهذه الأرقام تبدو بسيطة على الورق لكنها تغير من شكل الجسم بشكل ملحوظ، وهو ما يجعل بعض النساء يقبلن على هذه العملية رغم صعوبتها، وبالرغم من أن الطب صمم هذه العملية في البداية لعلاج تشوهات خلقية أو مشكلات ناجمة عن الحوادث، إلا أن استخدامها التجميلي بات يثير أسئلة كبرى عن حدود العلم بين العلاج والتجميل.
تفاصيل التنفيذ والتعافي الطويل
إجراء العملية لا يقتصر على ساعات الجراحة فقط، بل يتبعها مسار طويل من التعافي، حيث يحتاج المريض للبقاء في المستشفى من 3 إلى 5 أيام على الأقل، ثم يلجأ إلى استخدام الكرسي المتحرك أو العكازات لفترة قد تمتد لأسابيع، وبعدها يبدأ تدريجيًا في استعادة القدرة على المشي بعد نحو 6 أسابيع، لكن الالتئام الكامل للعظام يحتاج فترة أطول تتراوح بين 3 إلى 4 أشهر، فيما قد يصل وقت التعافي الكامل إلى نصف عام تقريبًا، وخلال هذه الفترة يعاني المريض من آلام شديدة ويحتاج إلى علاج طبيعي مكثف لإعادة تأهيل العضلات والحركة، ما يجعل العملية رحلة شاقة نفسيًا وبدنيًا.
المخاطر الصحية الجسيمة
مع كل هذه المراحل، لا يمكن إغفال المخاطر الجسيمة المرتبطة بـ «قص العظام»، إذ قد ينتج عنها آلام مزمنة، أو إصابات في الأعصاب لا يمكن إصلاحها، فضلًا عن ضعف في العضلات، والتهابات أو تأخر في التئام العظام، كما أن الاعتماد على القضبان المعدنية يفرض قيودًا خاصة على وزن المريض، حيث ينصح الأطباء بأن يتراوح الوزن بين 70 و75 كيلوجرامًا حتى تتحمل العظام هذه العملية بشكل أفضل، ومع ذلك يبقى خطر العدوى قائمًا، بالإضافة إلى احتمال تعرض المريضة لاضطرابات في الحركة أو عدم القدرة على ممارسة حياتها بشكل طبيعي لفترات طويلة.
دوافع التجميل لا العلاج
من المهم الإشارة إلى أن هذه العملية وضعت أساسًا لأسباب طبية بحتة، إذ كانت تستخدم لتصحيح طول الساقين في حالة وجود اختلافات ملحوظة بينهما، أو لعلاج إصابات خطيرة أدت إلى تشوه في العظام، لكن تحولها إلى وسيلة تجميلية يعكس ضغوطًا اجتماعية هائلة، إذ بات بعض الأطباء يتلقون طلبات من نساء يرغبن فقط في تقصير طولهن من دون حاجة طبية، الأمر الذي يحوّل العملية إلى مجرد استجابة لمعايير غير منطقية مفروضة من المجتمع.
أرقام وتوسع في الإقبال
التقارير الواردة من إسطنبول أظهرت أن أحد المستشفيات لم يجرِ أكثر من عشر عمليات منذ عام 2023، لكن مجرد وجود هذا الرقم في فترة قصيرة يبرز كيف أن الاهتمام آخذ في التزايد، كما أن بعض العيادات التجارية بدأت تعرض باقات شاملة تشمل العلاج النفسي، والإقامة الفندقية، وحتى جولات سياحية بعد العملية، ما يحول الإجراء الجراحي إلى «منتج» سياحي طبي تسوقه بعض الجهات باعتباره حلاً لتغيير الحياة.
الأبعاد النفسية والاجتماعية
الجانب النفسي لا يقل خطورة عن الجانب الطبي، فقبول المرأة لنفسها كما هي قد يتأثر بشدة نتيجة رسائل المجتمع السلبية التي تجعلها ترى في طولها مشكلة، وعندما تلجأ إلى خيار مثل «قص العظام» فهي لا تواجه فقط مشقة العملية، بل أيضًا معركة داخلية مع الذات، إذ تصبح فكرة الجمال مشروطة بالتغيير الجسدي، وهذا يثير قلق المختصين النفسيين الذين يحذرون من تبعات طويلة الأمد، مثل اضطرابات القبول الذاتي أو مشكلات الثقة بالنفس، وقد يؤدي الأمر إلى ندم لاحق في حال لم تحقق المريضة الرضا المتوقع بعد العملية.
جدل مفتوح ومستقبل غامض
تظل عملية «قص العظام» في تركيا وفي العالم محل نقاش واسع، إذ يرى البعض أنها خيار متطرف وغير منطقي لمجرد تلبية توقعات اجتماعية قد تتغير مع الزمن، بينما يعتبرها آخرون حرية شخصية لا يحق لأحد التدخل فيها، لكن المؤكد أن كلفتها الجسدية والنفسية عالية للغاية، وهو ما يجعلها موضع تحذير لدى الأطباء والمختصين، لتبقى في النهاية مثالًا حيًا على التداخل بين ضغوط المجتمع والتقدم الطبي، وعلى السؤال الأزلي حول حدود ما يمكن أن يفعله الإنسان بجسده في سبيل القبول والاندماج.