لا تفوتها.. أعمال صالحة تعادل أجر قيام الليل

تُعد «قيام الليل» من أعظم العبادات التي تقرب العبد من ربه وتمنحه طمأنينة القلب وسكينة الروح، ويسعى كثير من المسلمين إلى إدراك فضلها والمواظبة عليها لما فيها من أجر عظيم عند الله تعالى، ومع ذلك فإن بعض الناس قد لا يستطيعون أداء «قيام الليل» بصفة مستمرة بسبب مشقة الاستيقاظ أو ظروف الحياة اليومية، لذا يبحثون عن عبادات يسيرة يمكن أن تعادل في أجرها وثوابها عبادة قيام الليل وتحقق لهم القرب ذاته من الله عز وجل.
عبادات تعادل أجر قيام الليل
إن رحمة الله تعالى بعباده واسعة، فقد جعل لهم أبوابًا متعددة للطاعات ليدركوا فضل «قيام الليل» بعبادات يسيرة، ورد ذكرها في السنة النبوية الشريفة، فمنها ما يرتبط بالصلاة، ومنها ما يتعلق بالأخلاق أو بقراءة القرآن، وكلها عبادات تُضاعف الأجر وتزيد الحسنات.
صلاة العشاء والفجر في جماعة
من أعظم العبادات التي ورد في فضلها أنها تعادل أجر قيام الليل ما رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة»، فهذه العبادة البسيطة التي يستطيع كل مسلم أن يؤديها تمنحه ثوابًا عظيمًا يعادل قيام الليل كله.
أربع ركعات قبل صلاة الظهر
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «أربع ركعات قبل الظهر يعدلن بصلاة السحر»، أي أن من يحافظ على هذه السنن يكون له أجر عظيم يعادل أجر «قيام الليل»، وهذه من رحمة الله بعباده أن جعل لهم في النهار عبادات توازي فضل الليل.
قراءة مائة آية من القرآن في الليل
ومن الأعمال التي تُلحق المسلم بثواب القائمين بالليل ما رواه تميم الداري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة»، أي أن قراءة مائة آية فقط تُكتب لصاحبها كأنه قام الليل كله، فهي عبادة يسيرة لمن أحب أن يغتنم فضل قيام الليل دون عناء.
حسن الخلق وطيب المعاملة
ومن العبادات العظيمة التي قد تعادل في فضلها قيام الليل ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار»، فحسن الخلق عبادة خفية لا تحتاج إلى مجهود بدني ولكنها ترفع صاحبها إلى منزلة العابد القائم في الليل الصائم في النهار.
فضل صلاة قيام الليل
إن فضل «قيام الليل» لا يُضاهى، فهي عبادة تُطهر النفس وتُزكي القلب وتجعل العبد قريبًا من ربه في سكون الليل، حين ينام الناس ويخلو القلب بخالقه، وقد ذكر القرآن الكريم فضلها في مواضع كثيرة، فقال تعالى: «وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا»، ووصفهم بأنهم من «عباد الرحمن» الذين اصطفاهم الله ورفع منزلتهم.
ومن فضائلها أنها سبب لرفع الدرجات عند الله، فالله سبحانه وعد القائمين في الليل بالمقام المحمود لما في قيام الليل من إخلاص ومجاهدة للنفس، كما أن «قيام الليل» وقت لإجابة الدعاء، ففيه ساعة مباركة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرًا إلا استجاب له، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له».
كما أن من فضل قيام الليل أنه سبب لمغفرة الذنوب وشكر النعم، فهو عبادة تدل على الامتنان لله وتزكية للنفس، وقد قال العلماء إن من داوم على قيام الليل فقد أظهر شكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة، وهو من أسباب دخول الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».
كيف كان النبي يقوم الليل
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على قيام الليل حرصًا شديدًا، فقد سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن عمله فقالت: «كان عمله ديمة»، أي دائمًا لا ينقطع، وكان يقوم من الليل إذا سمع الصارخ أي صوت الديك، فيبدأ صلاته قبل منتصف الليل بقليل أو بعده بقليل، يصلي ركعتين ركعتين ويختمها بركعة الوتر.
وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقيل له يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا»، وهو حديث يبين مدى حب النبي لهذه العبادة ومدى شكره لله على نعمه، وكان صلى الله عليه وسلم حين كبر سنه يصلي قيام الليل جالسًا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع.
قيام الليل طريق الصفوة والأبرار
لقد كان «قيام الليل» من صفات الأنبياء والصالحين والأبرار، فهم الذين يجدون في ظلمة الليل نور الإيمان، ويتلذذون بمناجاة ربهم بعيدًا عن ضجيج الدنيا، وقد قال الله تعالى: «تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا»، أي يتركون فراش الراحة ليناجوا ربهم إخلاصًا ومحبة، فقيام الليل ليس مجرد صلاة بل هو تربية للروح وتجديد للإيمان.
إن من حافظ على قيام الليل فقد نال مقامًا عظيمًا عند الله، ومن عجز عنه فليغتنم العبادات التي تعادل أجره كصلاة الجماعة وقراءة القرآن وحسن الخلق، فالله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وكل عمل يقرب إلى الله بنية خالصة له نصيب من نور قيام الليل.