الأحد 25 مايو 2025 الموافق 27 ذو القعدة 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة

نبيل أبوالياسين: صعود التنين.. امريكا تغرق في فوضى ترامب

القارئ نيوز

«امريكا».. بينما يشتد صخب السياسة الشعبوية وتُجفف مياه العقلانية، تتسارع خطى الصين نحو الهيمنة العالمية بلا هوادة،  إنها ليست مجرد تكهنات خبراء أو تحليلات سياسية، بل حقيقة تتجلى فصولها يوماً بعد يوم: في المستقبل، ستصبح الصين لاعباً مهيمناً لا يمكن إغفاله، بينما تواجه امريكا خطر التراجع إلى هامش الأهمية، وإن هذا المشهد المقلق ينبئ بتحول جذري في موازين القوى، تحولٌ تغذيه صراعات داخلية تلتهم طاقات أمة، وتُغرقها في هوة من الصراعات والانقسامات بدلًا من التقدم والابتكار.


في سباق التقدم العالمي، تراهن الصين على أساسيات البناء الحقيقي «العلوم والرياضيات» تستثمر بكثافة في عقول أبنائها، وتوفر لهم كل الأدوات اللازمة لتجاوز بقية العالم، وفي المقابل، تنجرف الولايات المتحدة نحو مستنقع الصراعات الداخلية والسياسات الشعبوية، حيث يصارع الأفراد لفهم أبسط المفاهيم المنطقية، وتنصرف الطاقات عن الإنتاج والإبداع إلى الخصومات العقيمة، وهذا التباين الصارخ في الأولويات  يُمهد الطريق لتفوق صيني حتمي.

ضربة استراتيجية للقطب الأمريكي


الصين تُحَصّن هيمنتها التكنولوجية بضربة استراتيجية للقطب الأمريكي، فقد شَهِدَ العالم تحولاً جذرياً في موازين القوة التكنولوجية مع إعلان شركة «وولف سبيد» الأمريكية العملاقة لأشباه الموصلات إفلاسها وإغلاق مصانعها وتسريح 10 آلاف موظف، في خطوة تُعَدُّ ضربةً قاسيةً لريادة امريكا في هذا القطاع الحيوي، وهذا التقدم الصيني السريع في صناعة الرقائق الإلكترونية، مدعوماً بدعم حكومي هائل واستثمارات ضخمة، أدى إلى تفوّق الشركات الصينية على منافسيها الأمريكيين، ما أجبر «وولف سبيد» على الاستسلام، وهذه الخطوة تُمثِّل مؤشراً واضحاً على تحوّل الصين إلى قوة عُظمى قادرة على إعادة تشكيل الخريطة التكنولوجية العالمية، مُهدِّدةً بذلك أركان النفوذ الأمريكي في حرب التكنولوجيا المستعرة.


وهنا يجب أن ألفت : إلى لطالما كان اندماج الصين الكامل في الاقتصاد العالمي مؤشراً على صعودها، لكن الرئيس «دونالد ترامب» بسياساته الشعبوية قد سرّع هذه العملية بشكل كارثي، وحربه التجارية وتهديداته بالرسوم الجمركية دفعت الصين ليس فقط لتعزيز قبضتها على مواردها الاستراتيجية كالمعادن النادرة، بل حولتها إلى سلاح جيوسياسي فاعل، وهذه المعادن، التي لا غنى عنها في كل شيء من الهواتف الذكية إلى الطائرات المقاتلة المتطورة، تضع الصين في موقع تحكم لا يُنازع على الإمدادات العالمية.

توقعات البنك الدولي الصادرة في أبريل 2025

وفقًا لتوقعات البنك الدولي الصادرة في أبريل 2025، خسرت أمريكا 3.7% من حصتها في الناتج العالمي لصالح الصين منذ بدء الحرب التجارية بينهما.

 الصين، التي تُهيمن على 75% من إنتاج المعادن النادرة عالميًّا بعد تشديد قبضتها، تواجه هي الأخرى تحدياتٍ جسيمةً؛ فقد تجاوزت ديونها المحلية 320% من الناتج المحلي.

 في المقابل، تحاول أمريكا تعويض خسائرها عبر ضخ 80 مليار دولار في صناعة الرقاقات الإلكترونية، كجزء من خطتها لمواجهة الحصار التكنولوجي الصيني المتصاعد.

وهذا يجعلني أشير إلى أن المشهد ليس مجرد حرب تجارية، بل هو تنافس استراتيجي متصاعد كشف عن نقاط الضعف في السلسلة اللوجستية الغربية، فبينما تعهدت الصين بتعليق «التدابير غير الجمركية»، لا توجد أي مؤشرات على تخليها عن نظام الرقابة الصارم على صادرات المعادن الأرضية النادرة، بل على العكس، يرى الخبراء أنها تُعزز تطبيق هذا النظام، مما يمنحها ورقة ضغط هائلة في أي مفاوضات مستقبلية، ويُظهر كيف حوّلت التحديات إلى فرص للهيمنة.

الولايات المتحدة ترزح تحت وطأة «كابوس اقتصادي»


وعلى الجانب الآخر، يبدو أن امريكا ترزح تحت وطأة «كابوس اقتصادي» من صنع سياساتها الداخلية،  وأدت  تداعيات السياسات التعريفية الكارثية إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وأثارت استياءً شعبياً واسعاً بسبب ارتفاع تكاليف المستهلكين، ففي الوقت الذي كان يجب فيه التركيز على التحديات الاقتصادية والابتكار، انشغل القادة الأمريكيون بالخلافات الداخلية والهجمات على المؤسسات العلمية والإعلامية وقمع الحريات من أجل إرضاء إسرائيل، في فوضى عارمة  تشتت التركيز الوطني.


وهنا أؤكد : بأن  هذه السياسة الشعبوية، التي تغرق أمريكا في صراعات لا جدوى منها، تخدم مصالح الصين بشكل غير مباشر، بينما تنشغل واشنطن بقصف «إيلون ماسك» داخليًا وبحروب ثقافية لا طائل منها، تُعزز بكين مكانتها كقوة علمية واقتصادية عالمية، وهذه الفوضى تضع امريكا في وضع حرج، حيث تبدو عاجزة عن النهوض من كابوسها الاقتصادي والسياسي، تاركةً الساحة مفتوحة أمام الصين لتحقيق هيمنتها الكاملة على مقاليد المستقبل العالمي.

 صعود التنين الصيني  ليس مجرد نبوءة


وختاماً : إن الآفاق باتت واضحة لا لبس فيها: صعود التنين الصيني ليس مجرد نبوءة، بل واقع يتشكل بوتيرة متسارعة، يُغذيه التشتت والارتباك في قلب القوة العظمى التي كانت ذات يوم، فبينما تُركز الصين على العلوم، وتُسخر الموارد، وتُحكم قبضتها على شرايين الاقتصاد العالمي، تُصارع واشنطن أشباح سياستها الشعبوية، غارقةً في جدل عقيم يستهلك طاقاتها، وسؤالي ليس «هل ستُهيمن الصين؟» بل «متى ستُهيمن، وما الثمن الذي ستدفعه الإنسانية لهذا التحول؟»،  إنها دعوة للتفكير العميق في مسار القوى العالمية، وفي التحديات التي يواجهها مجتمع لا يُدرك قيمة العلم والاستقرار، في مواجهة قوة صاعدة لا تتوقف.

تم نسخ الرابط