حساسية نادرة تحول الاستحمام إلى كابوس.. ما هى «حساسية الماء»؟

حساسية غريبة ونادرة تعاني منها نسبة ضئيلة للغاية من البشر تُحوّل أبسط أنشطة الحياة اليومية إلى تجربة مؤلمة وغير محتملة، حيث تتحول قطرات الماء العادية إلى مصدر للطفح الجلدي والتهابات حارقة، وتُعرف هذه الحالة الطبية النادرة باسم «حساسية الماء» أو كما يُطلق عليها علميًا «الأكواجينيك أرتيكاريا»، وتُعد واحدة من أغرب أنواع الحساسية المكتشفة، وتثير الكثير من الجدل والتساؤلات في الأوساط الطبية والعلمية، فهل يعقل أن يتحسس جسم الإنسان من عنصر يعتبر أساسًا للحياة؟.
ما هى «حساسية الماء»؟
«حساسية الماء» هي حالة نادرة من حالات الطفح الجلدي الذي يظهر عند تعرض الجلد للماء بدرجات حرارته المختلفة، سواء كان ماءً باردًا أو دافئًا أو حتى عرقًا بشريًا أو دموعًا، وبالرغم من أن هذه الحالة تُصنف ضمن أنواع «الحساسية»، فإنها لا تشبه الحساسية التقليدية الناتجة عن مسببات مثل الغبار أو حبوب اللقاح، حيث يُعتقد أن الاستجابة الجلدية ليست من النوع التحسسي الكلاسيكي المرتبط بمناعة الجسم، بل تحدث نتيجة تفاعل كيميائي مع الجلد عند ملامسة الماء.
تبدأ أعراض «حساسية الماء» عادة بعد دقائق قليلة من التعرض للماء، وتشمل ظهور بقع حمراء صغيرة أو طفح جلدي يصاحبه حكة شديدة أو إحساس بالحرقان، وقد تمتد الأعراض لفترات طويلة إذا لم يتم التدخل بعلاج موضعي أو تجنب التعرض للماء تمامًا، ما يجعل من «الاستحمام» أو حتى غسل اليدين تحديًا يوميًا مؤلمًا لأصحاب هذه الحالة.
حالات موثقة ومعاناة يومية
تم توثيق عشرات الحالات المصابة بـ«حساسية الماء» في عدد من الدول حول العالم، وتُعتبر النساء أكثر عرضة للإصابة بهذه الحالة مقارنة بالرجال، وتظهر غالبًا خلال فترة الطفولة أو المراهقة، وتستمر مدى الحياة لدى البعض دون شفاء نهائي، وتحدث المعاناة بشكل مضاعف في أيام الصيف أو بعد ممارسة الرياضة، حيث يفرز الجسم العرق الذي بدوره يحفز ظهور أعراض «الحساسية» بشكل سريع ومؤلم.
بعض الحالات المصابة لا تتمكن من الاستحمام إلا مرة واحدة أسبوعيًا، باستخدام قفازات أو واقٍ جلدي خاص لتقليل تأثير الماء على الجلد، بينما يضطر آخرون لاستخدام المناديل المبللة أو العناية الجافة كبديل عن الغسل المباشر، وقد تؤدي هذه القيود إلى تأثير نفسي سلبي عميق، يتجلى في مشاعر العزلة والحرج والتوتر.
الأسباب المحتملة وراء «حساسية الماء»
رغم مرور عقود على اكتشاف أولى الحالات المسجلة، لا يزال السبب الدقيق وراء «حساسية الماء» غير مفهوم بشكل كامل، ويرجح العلماء أن السبب قد يكون تفاعل مكونات الماء مع الدهون أو البروتينات الموجودة في طبقة الجلد الخارجية، مما يسبب إطلاق مواد كيماوية مثل «الهستامين» التي تؤدي إلى التهابات جلدية فورية.
بعض الدراسات الطبية تشير إلى وجود عوامل وراثية قد تكون وراء ظهور «حساسية الماء»، بينما يرى آخرون أن هناك خللًا في وظيفة الحاجز الجلدي الطبيعي، ما يجعل الجلد أكثر عرضة لاختراق العوامل الخارجية، وتسبب هذه التفاعلات المناعية التي تتطور إلى طفح أو بقع حمراء.
تشخيص «حساسية الماء»
لا يوجد اختبار موحد ونهائي لتشخيص «حساسية الماء»، لكن الأطباء يعتمدون غالبًا على اختبار يُعرف باسم «اختبار ملامسة الماء»، حيث يتم وضع كمية صغيرة من الماء على جلد المريض وملاحظة أي استجابة جلدية خلال فترة زمنية قصيرة، كما يتم استبعاد أي حالات مرضية أخرى قد تسبب أعراضًا مشابهة مثل الأكزيما أو الشرى المزمن.
ولأن «حساسية الماء» تعتبر من الحالات النادرة جدًا، فإن تشخيصها قد يتأخر أو يُخطئ في مرات عديدة، ويحتاج المريض إلى متابعة دقيقة من قبل طبيب مختص في الأمراض الجلدية أو الحساسية.
طرق العلاج المتاحة
لا يوجد حتى الآن علاج نهائي لـ«حساسية الماء»، إلا أن هناك بعض الوسائل التي تُستخدم لتخفيف الأعراض والسيطرة على الحالة، مثل الأدوية المضادة للهستامين التي تقلل من شدة الحكة والطفح، واستخدام الكريمات الواقية التي تشكل حاجزًا مؤقتًا بين الجلد والماء.
في بعض الحالات الشديدة، قد يلجأ الأطباء إلى وصف أدوية مثبطة لجهاز المناعة لتقليل استجابة الجسم، لكن ذلك يتم بحذر شديد بسبب الآثار الجانبية المحتملة، كما يُنصح المرضى بالابتعاد قدر الإمكان عن الأنشطة التي قد تعرض الجلد للرطوبة المستمرة مثل السباحة أو التعرق الزائد.
حياة يومية مليئة بالتحديات
التعايش مع «حساسية الماء» يتطلب جهدًا نفسيًا وجسديًا يوميًا، حيث يضطر المصابون إلى إعادة التفكير في كل خطوة تتعلق بالنظافة الشخصية أو النشاط البدني، ويضطر البعض إلى استخدام أدوات خاصة مثل «الاستحمام الجاف» أو الملابس الواقية، وحتى في الأوقات العادية مثل المطر أو الرطوبة العالية يصبح الخروج من المنزل قرارًا صعبًا.
كثير من المرضى يُعانون من نقص في الدعم النفسي والاجتماعي، بسبب ندرة الحالة وصعوبة تفهم الآخرين لها، ويُطالب بعض الأطباء بضرورة رفع الوعي العام بهذه «الحساسية» الاستثنائية، حتى لا يُنظر للمصابين بها على أنهم يبالغون أو يتوهمون الأعراض.