هل يعاني طفلك من التوحد؟.. مؤشرات واضحة تكشف الإجابة

التوحد من أكثر الاضطرابات النمائية التي تُثير قلق الأهل منذ المراحل المبكرة لنمو أطفالهم، إذ يتساءل الكثير من الآباء والأمهات إذا ما كان طفلهم يُظهر «سلوكيات غريبة» أو «تأخراً في الكلام» أو «ضعفاً في التواصل»، وكلها إشارات قد ترتبط باضطراب التوحد، ولأن التدخل المبكر يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في حياة الطفل المصاب، فمن المهم أن يتعرف الوالدان على العلامات المبكرة التي قد تشير إلى وجود التوحد، ليس فقط بهدف التشخيص، بل لتقديم الدعم والرعاية المناسبة التي يحتاجها الطفل.
ما هو التوحد وكيف يظهر؟
يُعد التوحد أو اضطراب طيف التوحد حالة عصبية تؤثر على طريقة تفاعل الطفل مع الآخرين، كما تؤثر على كيفية تعلمه وتصرفه واستجابته للمحيط، وتظهر أعراضه في الغالب خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، وتختلف حدة هذه الأعراض من طفل لآخر، إذ يمكن أن تكون خفيفة وتكاد لا تُلاحظ، أو قد تكون شديدة وتؤثر بوضوح على قدرة الطفل على التواصل والتفاعل الاجتماعي.
تشمل السمات العامة لاضطراب التوحد صعوبات في «التواصل اللفظي وغير اللفظي»، ومحدودية في «الاهتمامات والسلوكيات»، إضافة إلى ميل الطفل للانعزال، وعدم الاستجابة للأوامر أو المناداة باسمه، وقد يلاحظ الوالدان أن طفلهم يكرر بعض الحركات كتحريك اليدين بشكل دائم أو المشي على أطراف أصابعه، كما يُظهر أطفال التوحد في بعض الحالات تعلقاً مفرطاً بروتين معين أو رفضهم لتغييرات بسيطة في البيئة المحيطة بهم.
أبرز المؤشرات المبكرة للتوحد
من المهم أن يلاحظ الأهل بعض الإشارات التي قد تكون دليلاً على إصابة الطفل بـ التوحد، ومن بين هذه العلامات:
الطفل لا يستجيب عند مناداته باسمه، ولا يُظهر تفاعلاً عند النظر في عيون الآخرين، كما لا يستخدم الإيماءات مثل التلويح أو الإشارة ليعبر عن احتياجاته، وغالباً ما يفضل اللعب بمفرده بدل التفاعل مع الآخرين، إضافة إلى أن الأطفال المصابين بـ التوحد غالباً ما يواجهون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو فهم مشاعر الآخرين.
من الإشارات الأخرى أيضاً أن الطفل لا يُظهر اهتماماً بالأنشطة الاجتماعية أو بالألعاب التفاعلية، وقد يتحدث بطريقة غير مألوفة مثل تكرار كلمات يسمعها من التلفاز أو من المحيط دون فهم معناها، كما يمكن أن يلاحظ الأهل تأخراً في تطور المهارات اللغوية أو انعدامها كلياً في بعض الحالات.
التوحد ليس مرضاً بل حالة تستحق الفهم والدعم
من المهم التأكيد على أن التوحد ليس مرضاً يمكن علاجه بالأدوية فقط، بل هو حالة تستمر مدى الحياة ولكن يمكن إدارتها بشكل فعّال من خلال برامج التدخل المبكر والدعم النفسي والسلوكي والتربوي، وهذا يتطلب من الأهل أن يتعاملوا مع الطفل المصاب بالتوحد «بصبر ومحبة» و«تفهم لاحتياجاته»، فبعض الأطفال المصابين بهذا الاضطراب يمتلكون «قدرات ذهنية عالية» أو «مواهب استثنائية» في مجالات محددة مثل الرياضيات أو الموسيقى أو الرسم.
أهمية التشخيص المبكر والتدخل العلاجي
تشخيص التوحد في سن مبكرة يساعد بشكل كبير على تحسين حياة الطفل، فكلما بدأ التدخل مبكراً كانت النتائج أفضل، ويتم التشخيص عادة من خلال تقييم سلوك الطفل والتواصل معه عبر أدوات متخصصة يستخدمها أطباء النفس وأخصائيو النطق والتخاطب، وقد يشمل التقييم مقابلات مع الأهل ومراقبة سلوك الطفل في المواقف اليومية.
ويتم تصميم خطة علاجية خاصة بكل طفل تتضمن «جلسات تخاطب» و«علاج سلوكي معرفي» و«تدريب على المهارات الاجتماعية»، كما يلعب الأهل دوراً محورياً في متابعة هذه البرامج ودعم الطفل داخل المنزل.
دعم الأسرة والمجتمع لأطفال التوحد
لا يمكن أن نغفل أهمية الدعم الاجتماعي الذي يحتاجه الأطفال المصابون بـ التوحد، فالعائلة يجب أن تكون الحلقة الأقوى في شبكة الدعم، ويجب أن تُزود بالمعلومات والتدريب اللازمين للتعامل مع الطفل وفهم سلوكه، كما يجب على المجتمع أن يكون أكثر «تفهماً واختلافاً» وأن يبتعد عن «الوصمة الاجتماعية» التي قد تؤثر سلباً على نفسية الطفل وأسرته.
إن دعم الطفل المصاب بالتوحد لا يقتصر على البيت فقط بل يمتد إلى المدرسة والبيئة المحيطة به، فمن المهم أن يتم دمجه في أنشطة تعليمية وترفيهية تراعي احتياجاته الخاصة، وتُشجعه على تنمية مهاراته وتفاعله مع أقرانه.
متى يجب زيارة الطبيب؟
إذا لاحظ الأهل تأخراً في المهارات اللغوية أو التواصل أو وجود سلوكيات متكررة وغير معتادة لدى طفلهم فيجب عدم الانتظار طويلاً، بل التوجه مباشرة إلى أخصائي الأطفال أو الطبيب النفسي المختص في النمو والتطور، فالتأخر في التشخيص قد يؤدي إلى صعوبات إضافية مع تقدم العمر، في حين أن البدء المبكر في التدخل العلاجي يساعد الطفل على تطوير مهاراته وتحقيق استقلالية أكبر.
الأمل موجود.. قصص نجاح لأطفال مصابين بالتوحد
رغم التحديات التي يفرضها اضطراب التوحد فإن هناك العديد من القصص الملهمة لأطفال تم تشخيصهم مبكراً وتم دعمهم من قبل أسرهم ومدارسهم وأصبحوا قادرين على الاندماج في المجتمع وتحقيق إنجازات كبيرة، بعضهم أصبح فناناً أو مهندساً أو متخصصاً في مجال معين، وهذا يؤكد أن التشخيص لا يعني نهاية الأمل بل بداية رحلة جديدة تتطلب الصبر والمثابرة.
لا تخف من الحقيقة.. الفحص لا يعني الحكم بل بداية الطريق
الخوف من مواجهة حقيقة إصابة الطفل بـ التوحد قد يُعيق اتخاذ القرار الصحيح، لكن الحقيقة أن كل يوم يمر دون تدخل يزيد من صعوبة التعامل مع الحالة، لذلك يجب أن يكون الفحص والتشخيص المبكر هو الخيار الأفضل لكل أسرة تشك في سلوك طفلها، فالفهم والوعي هما أول خطوات الدعم الحقيقي.