الأربعاء 16 يوليو 2025 الموافق 21 محرم 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة

في ذكرى رحيله الـ121.. أنطون تشيخوف أيقونة الواقعية في الأدب الروسي

أنطوان تشيخوف
أنطوان تشيخوف

تحلّ اليوم، 15 يوليو 2025، الذكرى الـ121 على رحيل الأديب والمسرحي الروسي الكبير أنطون تشيخوف، الذي توفي في مثل هذا اليوم من عام 1904، بعد أن ترك بصمة خالدة في الأدب العالمي، جعلته أحد أعظم كُتّاب القصص القصيرة والمسرح في التاريخ.

«سيد القصة القصيرة».. بين المسرح والخيال الواقعي

أنطون بافلوفيتش تشيخوف، الطبيب الذي احترف الكتابة، وُلد عام 1860 في مدينة تاغانروغ الروسية، وأبدع في المزج بين مهنته الطبية وقدرته الأدبية على تشريح النفس الإنسانية.

 كما ألف المئات من القصص القصيرة، إلى جانب أربع مسرحيات صارت من كلاسيكيات المسرح العالمي، وهي: «النورس»، «العم فانيا»، «الأخوات الثلاث»، و«بستان الكرز».

تتميّز أعماله بالعمق النفسي والسخرية الهادئة، وتناول القضايا اليومية للناس البسطاء، حيث اعتمد على تقنية «الواقعية النفسية»، مقدمًا شخصياته كما هي، دون تزييف أو تلميع، مما جعل القراء يرون أنفسهم في أبطاله.

فلسفته الأدبية.. الحياة كما هي بلا رتوش

لم يكن تشيخوف كاتبًا يملي على القارئ ما يجب أن يشعر به، بل ترك الأحداث تتكلم وحدها. 

وقد تمحورت فلسفته حول عدة ركائز، أبرزها الواقعية والعبث والسخرية السوداء، وهي مفاهيم ظهرت بوضوح في أعمال مثل «الحرباء» و«السيدة ذات الكلب» و«البدين والنحيف».

كتب تشيخوف ذات مرة: «مهمتي أن أصف، لا أن أحكم». وهو المبدأ الذي سار عليه طوال حياته الأدبية، مفضّلًا أن يطرح الأسئلة بدلاً من تقديم الإجابات.

شخصياته.. مرايا حقيقية للإنسان

في قصصه ومسرحياته، صوّر تشيخوف شخصيات تتأرجح بين الأمل وخيبة الأمل، بين الحب والتردد، بين الحلم والواقع. لم تكن شخصياته بطولية أو مثالية، بل بشرًا عاديين يخطئون ويتراجعون ويصمتون ويصابون بالإحباط. وهذا ما جعل فنه مقربًا من الناس.

يقول النقاد إن تشيخوف كان قادرًا على أن يلتقط اللحظات الإنسانية الدقيقة التي تمر بها الشخصيات، وأن يحوّل تفاصيل الحياة اليومية إلى مادة أدبية رفيعة.

تشيخوف والمسرح.. ثورة هادئة على المألوف

لم يكن تأثير تشيخوف محصورًا في القصة القصيرة فقط، بل كان له تأثير بالغ على تطوّر المسرح الحديث. 

فقد نقل المسرح من الميلودراما والتصعيد المفتعل، إلى الحوارات الواقعية والنهايات المفتوحة، التي تعكس حيرة الإنسان المعاصر.

وقد تعاون في حياته مع المخرج الروسي الشهير كونستانتين ستانسلافسكي، الذي قدّم أعماله على مسرح موسكو الفني بأسلوب جديد، غيّر مفاهيم الأداء والتمثيل في المسرح العالمي.

رمزية الاغتراب والعبث

رغم أن أعمال تشيخوف تبدو بسيطة في ظاهرها، إلا أنها تحمل في أعماقها رمزية قوية تتعلّق بالاغتراب الإنساني والبحث عن جدوى الحياة، كثير من شخصياته تعيش في حالة من الانتظار أو الركود أو فقدان المعنى.

وتُعتبر مسرحية «بستان الكرز» مثالًا واضحًا على ذلك، إذ ترمز إلى نهاية مرحلة تاريخية في روسيا، بينما تدور القصة في أجواء من التردّد وعدم القدرة على اتخاذ القرار.

أثره العالمي.. من روسيا إلى العالم

بعد وفاته، انتقل تأثير تشيخوف إلى آفاق أوسع، حيث تُرجمت أعماله إلى عشرات اللغات، ودرست في كبرى الجامعات، وأعيد إنتاجها سينمائيًا وتلفزيونيًا ومسرحيًا حول العالم. تأثر به كتاب كبار أمثال إرنست همنغواي، وفرجينيا وولف، وريموند كارفر.

وقد قال عنه الكاتب الأمريكي ويليام فوكنر: «نحن جميعًا خرجنا من معطف غوغول، لكننا تعلمنا من تشيخوف كيف نحكي القصص الحقيقية».

إرث لا يموت

رغم مرور أكثر من قرن على وفاته، ما زالت أعمال أنطون تشيخوف تُقرأ وتُدرّس وتُعرض على المسارح، لما تحمله من عمق إنساني وجمالية فنية وواقعية لا تموت. لم يكن مجرد كاتب، بل كان مؤرخًا للروح البشرية، ورائدًا لما يُعرف اليوم بالأدب النفسي الواقعي.

وفي ذكرى رحيله الـ121، يعود تشيخوف إلينا كأنه لا يزال حيًا بيننا، يقول ما لا يُقال، ويكتب ما يصعب التعبير عنه.

تم نسخ الرابط