هل شرب القهوة يسبب «ارتفاع ضغط الدم»؟

القهوة من أكثر المشروبات انتشارًا في العالم، فهي ترافق الإنسان منذ الصباح وحتى المساء، وتُعد رمزًا للطاقة والانتباه، ولكن يبقى السؤال الذي يثير الجدل بين الناس: «هل شرب القهوة يسبب ارتفاع ضغط الدم؟» إذ تتعدد الآراء بين من يرى أن القهوة مفيدة ومن يؤكد أن الإكثار منها خطر على الصحة، وبين العلم والدراسات والاعتقاد الشعبي، تظل الحقيقة العلمية بحاجة إلى توضيح دقيق ومتوازن.

القهوة وتأثيرها المباشر على الجسم

تحتوي القهوة على مادة «الكافيين» وهي العنصر الأساسي المسؤول عن التأثير المنبه للجهاز العصبي، فبعد شرب القهوة بفترة قصيرة يبدأ الكافيين بتحفيز إفراز هرمون الأدرينالين في الجسم مما يؤدي إلى زيادة مؤقتة في معدل ضربات القلب وارتفاع طفيف في ضغط الدم، وهذا التفاعل يختلف من شخص لآخر بحسب «حساسية الجسم» للكافيين، فهناك من لا يتأثر نهائيًا بالقهوة بينما يعاني آخرون من خفقان سريع أو توتر بعد كوب واحد فقط، لذلك يعتبر الأطباء أن استجابة الجسم للقهوة مسألة فردية تعتمد على عوامل متعددة منها العمر والوزن والعادات اليومية.

دراسات طبية حول القهوة وضغط الدم

أجريت مئات الدراسات على تأثير القهوة في ضغط الدم وكانت النتائج متفاوتة، إذ أظهرت بعض الأبحاث أن تناول القهوة بانتظام قد يرفع ضغط الدم بشكل مؤقت خاصة لدى من لا يشربها عادة، بينما أشارت دراسات أخرى إلى أن الجسم يتأقلم مع الكافيين عند الاستهلاك المنتظم فلا يبقى له تأثير واضح على الضغط، وأكدت منظمة الصحة العالمية أن تناول القهوة باعتدال لا يشكل خطرًا مباشرًا على القلب أو ضغط الدم لدى الأشخاص الأصحاء، لكن الإفراط في تناولها قد يؤدي إلى «اضطرابات في النوم» وزيادة القلق والتوتر مما ينعكس سلبًا على ضغط الدم على المدى الطويل.

القهوة و«الاعتياد» على الكافيين

يُلاحظ أن محبي القهوة المعتادين على شربها يوميًا لا يشعرون بأي تغير واضح في ضغط الدم بعد تناولها، وهذا يعود إلى ما يسمى «التحمل الجسدي» أي أن الجسم يتكيف مع وجود الكافيين ولا يتفاعل معه بشدة كما في المرات الأولى، بينما الأشخاص الذين لا يشربون القهوة بانتظام قد يشعرون بتأثيرها القوي على الجهاز العصبي، ولهذا ينصح الأطباء بعدم تناول القهوة فجأة بكميات كبيرة إذا لم يكن الشخص معتادًا عليها، لأن ذلك قد يسبب صداعًا أو تسارعًا في ضربات القلب.

القهوة بين الفوائد والأضرار

رغم الجدل القائم فإن القهوة ليست عدوة للصحة كما يظن البعض، بل تحتوي على مضادات أكسدة قوية تساهم في حماية خلايا الجسم من التلف، كما أظهرت دراسات حديثة أن تناول القهوة باعتدال قد يقلل من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني وبعض أمراض الكبد، غير أن الفائدة تتحول إلى ضرر عند الإفراط، فشرب أكثر من أربع أو خمس أكواب يوميًا قد يؤدي إلى «اضطراب ضربات القلب» وزيادة التوتر ورفع ضغط الدم مؤقتًا، خصوصًا عند الأشخاص الذين يعانون من حساسية عالية للكافيين.

نصائح الأطباء لمحبّي القهوة

ينصح الأطباء بشرب القهوة باعتدال بحيث لا تتجاوز الكمية اليومية ما يعادل كوبين إلى ثلاثة أكواب صغيرة، وأن يكون آخر كوب قبل ساعات من النوم لتجنب الأرق، كما يُفضل عدم إضافة كميات كبيرة من السكر أو الكريمة لأن ذلك يقلل من فوائد القهوة ويزيد من السعرات الحرارية، أما بالنسبة لمرضى ضغط الدم المرتفع فيُنصح بمراقبة تأثير القهوة على الجسم بشكل شخصي، فإذا لاحظ المريض ارتفاعًا ملحوظًا في الضغط بعد شرب القهوة فعليه تقليل الكمية أو اختيار «القهوة منزوعة الكافيين».

القهوة والاختلاف بين الأفراد

تأثير القهوة لا يتوقف على نوعها فقط بل على طبيعة الشخص أيضًا، فهناك من يشرب القهوة العربية الخفيفة دون أي مشكلة، بينما يعاني آخرون من القهوة التركية أو الإسبريسو المركزة، ويرجع ذلك إلى اختلاف تركيز الكافيين في كل نوع، كما أن الوراثة تلعب دورًا في سرعة استقلاب الكافيين داخل الجسم، فبعض الناس يمتلكون إنزيمات تحلل الكافيين بسرعة مما يقلل من تأثيره على الضغط، في حين يبقى الكافيين في أجسام آخرين لفترة أطول مما يؤدي إلى تأثير أقوى على القلب والدورة الدموية.

متى تكون القهوة خطرًا؟

تصبح القهوة خطرًا حقيقيًا عندما يتم تناولها بإفراط أو مع مشروبات أخرى تحتوي على كافيين مثل مشروبات الطاقة، فذلك يؤدي إلى زيادة كبيرة في مستوى الكافيين بالدم، مما يسبب «ارتفاعًا مؤقتًا في ضغط الدم» وقلقًا وتسارعًا في ضربات القلب، كما أن الأشخاص المصابين بأمراض القلب أو اضطرابات الضغط يجب أن يستشيروا الطبيب قبل تناول القهوة بانتظام، لأن أجسامهم أكثر حساسية لتغيرات الدورة الدموية، لذلك يوصي المختصون بالاعتدال ومراقبة رد فعل الجسم دائمًا.

القهوة والجانب النفسي

من المثير أن القهوة لا تؤثر فقط على ضغط الدم بل على الحالة النفسية أيضًا، فالكافيين يمنح شعورًا مؤقتًا بالنشاط واليقظة لكنه قد يسبب القلق عند البعض، لذلك يُنصح بتقليل القهوة أثناء فترات التوتر أو القلق الشديد، لأن «ارتفاع الأدرينالين» الناتج عن الكافيين يضاعف استجابة الجسم للتوتر، مما قد يؤدي إلى زيادة مؤقتة في الضغط حتى لدى الأصحاء، بينما قد تكون القهوة مفيدة في الصباح الباكر لتحفيز التركيز والانتباه إذا تم تناولها بكمية معتدلة.

القهوة مشروب محبوب ومرتبط بثقافات الشعوب وعاداتها اليومية، ولكن تأثيرها على ضغط الدم يعتمد على عدة عوامل منها كمية الكافيين ونوع القهوة وحالة الشخص الصحية، فالقهوة المعتدلة لا تضر بل قد تنفع، أما الإفراط فهو الذي يسبب المشكلات، لذلك يُنصح دومًا بالتوازن والاعتدال، وأن تكون القهوة وسيلة للمتعة والنشاط لا مصدرًا للقلق والاضطراب.