عجائب قيام الليل شتاء.. فضل ودعاء لا يفوتك

قيام الليل في هذه الأيام الباردة يشكل عبادة عظيمة يجهل كثيرون ما فيها من أسرار روحية مذهلة، ومع دخول موجات الصقيع القارس التي جعلت درجات الحرارة تلامس الصفر مئوية، بات الشعور بقوة «البرد» واضحًا على الجميع، ومع ذلك فإن «قيام الليل» في هذا الشتاء تتجلى فيه معانٍ إيمانية لا يدركها إلا من جمع بين قوة العزيمة ونور الطاعة، فبين لحظات السحر التي ينزل فيها الرحمن إلى السماء الدنيا، وبين ساعات البرد التي تكاد تشل الحركة، يفتح الله أبوابًا من الفضل لمن يقوم بين يديه في تلك اللحظات التي يرفع فيها عمل العبد ويُنظر فيها إلى إخلاصه وصدق قلبه، ولذا فإن الحديث عن «قيام الليل» في الصقيع ليس مجرد فضل عابر، بل هو باب واسع من الأجر ومنزلة لا يعرف قدرها إلا أهل الطاعة.

الشتاء ربيع المؤمن ومعنى «قيام الليل» فيه

كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الشتاء بأنه «ربيع المؤمن»، ففي هذا الفصل تتقارب ساعات الليل وتطول مما يمنح فرصة عظيمة لأداء «قيام الليل» براحة دون مشقة شديدة، وقد ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال إن الشتاء ربيع المؤمن، وورد في حديث الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم «الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة»، وهذا يوضح ارتباط فضل الشتاء بفضائل متعددة ومنها فضل «قيام الليل» في هذا الجو الذي يبدو صعبًا لكنه محبب إلى أهل الطاعة، ولذا فإن «قيام الليل» في أيام الصقيع يحمل جمالًا خاصًا يتجلى في مضاعفة الأجر ومحاسن المجاهدة.

سر الضحكة الإلهية لعبد يقوم في ليلة باردة

من أعجب ما ورد في فضل «قيام الليل» ما ذكره عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عندما قال إن الله يضحك إلى رجلين، أحدهما يقوم من فراشه ولحافه في ليلة باردة قاسية ثم يتوضأ ويقف بين يدي الله، فهنا تتحول برودة الليل إلى حرارة روحية، ويصبح هذا العبد ممن ينالون عطاء الله ورحمته، إذ يقول الله لملائكته ما حمل عبدي على ما صنع، فيقولون رجاء ما عندك وخوفًا مما عندك، فيقول الله فإني أعطيته ما رجا وأمنته مما يخاف، وهذه الرواية تُظهر منزلة «قيام الليل» في برد الشتاء وكيف يتحول الألم إلى لذة والطاعة إلى نور.

قيام الليل في القرآن والسنة

ورد الأمر بقيام الليل في كتاب الله تعالى مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلًا»، وهذا يدل على مكانته العالية، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يترك «قيام الليل»، وإذا مرض أو تعب صلى قاعدًا، وهذا يؤكد أن «قيام الليل» عبادة ثابتة لا تزول ولا ينقص فضلها، بل إن القيام في الصقيع يزيد أثرها لما فيه من مشقة خفيفة تقرب القلب إلى الله وتزيد الإخلاص.

لماذا يعتبر قيام الليل في الشتاء فرصة ذهبية؟

ذكر العلماء أن ليل الشتاء لطوله يمنح الإنسان فرصة للنوم الكافي ثم النهوض لأداء «قيام الليل» دون إرهاق كبير، فيجتمع للعبد راحة البدن وراحة القلب، وهذا من أعظم مزايا الشتاء، وذكر يحيى بن معاذ قوله «الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك»، كما نقل عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله «مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام»، وهذه الكلمات تبرز قيمة «قيام الليل» في موسم البرد وتكشف أنه أفضل أوقات العبادات الخفية.

فضل الثبات على طاعة قيام الليل في الصقيع

كشف الشيخ خالد الجندي في أحد البرامج الدينية أن الثبات على أداء صلاة الفجر و«قيام الليل» في الصقيع القارس هو ثبات على الطاعة ومعرفة بلذة النعمة، فالمؤمن الذي يتعود على الصلاة لا يوقفه برد ولا صقيع، بل يقوم وهو يشعر بسعادة أنه في موضع يحبه الله، وقد وضح الجندي أن الفصول تدور وأن عباداتنا تقع في الصيف والشتاء والربيع والخريف، وذلك ليُظهر المؤمن صدقه مع ربه مهما اختلف الطقس.

قيام الليل يعادل صيام نهار الصيف

يروي السلف أن «قيام الليل» في الشتاء يعدل صيام الصيف، ولهذا قال معاذ عند موته إنه يبكي على ثلاثة أشياء منها «قيام ليل الشتاء»، لأن لذته تختلف وفضله مضاعف، كما ورد عن بعض السلف أنه لو لا ثلاث لكانوا يفضلون الموت ومن أهمها لذاذة التهجد في الشتاء، وهذا يوضح مكانة «قيام الليل» حين تتقلب فصول العام.

المشقة المحبوبة في قيام الليل أثناء البرد

قيام الليل في الصقيع يشق على النفس من وجهين، الأول ترك الفراش الدافئ، والثاني إسباغ الوضوء في البرد، وقد ورد في صحيح مسلم فضل إسباغ الوضوء في الكريهات وأنه مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، وهذا يبين أن كل خطوة في طريق «قيام الليل» مكتوبة ومحفوظة ومرفوعة عند الله، وأن البرد الذي يؤلم الجسد يكتب لصاحبه نورًا ورفعة.

أدعية تناسب قيام الليل في الشتاء

فيما يأتي تلخيص لأبرز الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي يستحب قولها أثناء «قيام الليل»

اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فاستجب لنا واجعل لنا من لدنك نورًا ورحمة

اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض وإليك التوبة وبك الرجاء فاغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا

اللهم اجعل في قلوبنا نورًا وفي أبصارنا نورًا واجعل لنا نورًا بين أيدينا ومن خلفنا وزدنا نورًا

اللهم يا رحمن الدنيا والآخرة اجعل لنا من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ومن كل بلاء عافية.