الأحد 19 أكتوبر 2025 الموافق 27 ربيع الثاني 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

لماذا يوجد أذانان لصلاة الفجر في الإسلام؟

المأذنة
المأذنة

يُعد «الفجر» من أعظم الصلوات التي حث الإسلام على أدائها في وقتها، فهي أول صلاة في النهار وموضع البركة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم بارك لأمتي في بكورها»، ويثير الفجر تساؤلًا قديمًا ومتجددًا عند كثير من الناس، وهو «لماذا يوجد أذانان لصلاة الفجر؟»، إذ يعتقد البعض أن الأمر بدعة أو اجتهاد متأخر، بينما هو في الأصل سنة نبوية جاءت لتؤدي غرضًا نبيلًا، وهو تنبيه الناس واستعدادهم لصلاة الفجر في وقتها الصحيح.

معنى الأذانين في صلاة الفجر

جاءت الحكمة من وجود أذانين للفجر لتلبية احتياجات الناس الروحية والجسدية، فالأذان الأول للفجر شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لإيقاظ النائمين وتنبيه المتسحرين ليستعدوا لبدء يومهم بالعبادة والطاعة، بينما الأذان الثاني هو الذي يدل على دخول الوقت الحقيقي لصلاة الصبح، وهو الوقت الذي يبدأ فيه المسلمون أداء الصلاة، ولذلك فإن الأذان الأول للفجر ليس بدعة كما يظن البعض بل هو سنة حسنة وردت عن النبي الكريم.

وقد أوضح الدكتور مجدي عاشور أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن الأذان الأول للفجر «مستحب» ويهدف إلى تنبيه الناس وليس لإقامة الصلاة، بينما الأذان الثاني هو المعتمد في تحديد وقت صلاة الفجر، وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له مؤذنان هما «بلال بن رباح» و«عبد الله بن أم مكتوم»، فكان بلال يؤذن أولًا قبل طلوع الفجر الصادق، أما ابن أم مكتوم فكان يؤذن بعد دخول الوقت مباشرة.

حديث الرسول وتأكيد السنة

استشهد العلماء على مشروعية الأذانين بما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن بلالًا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»، وهذا الحديث يوضح بجلاء أن الأذان الأول للفجر له غرض محدد، وهو أن يعلم الناس أن الوقت لا يزال مبكرًا وأن بإمكانهم الأكل والشرب لمن أراد الصيام، حتى يسمعوا الأذان الثاني الذي يعلن طلوع الفجر الصادق.

وهذا ما أكده العلماء مثل الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم حين قال إن «الأذانين للصبح» سنة مستحبة، أحدهما قبل طلوع الفجر، والآخر بعد دخوله، فالأول لإيقاظ الناس والثاني لإعلامهم بوقت الصلاة، وقد استمر العمل بذلك في عهد الصحابة والتابعين، مما يؤكد أن هذه السنة راسخة في تعاليم الإسلام منذ بدايته.

الأذان الأول والفجر الكاذب

من الجدير بالذكر أن «الفجر» يمر بمرحلتين، الأولى تسمى الفجر الكاذب وهي ضوء خافت يظهر في السماء سرعان ما يختفي، والثانية هي الفجر الصادق وهو بداية الوقت الحقيقي لصلاة الفجر، ولهذا كان الأذان الأول مرتبطًا بالفجر الكاذب كإشارة للاستعداد، بينما الأذان الثاني مرتبط بالفجر الصادق الذي يبدأ معه وقت الصلاة فعليًا، وهذا التمييز ساعد الناس قديمًا على معرفة الوقت الصحيح في غياب الساعات والتقويمات.

ابتكار المصريين في التثويب قبل الفجر

ومن الطريف أن المصريين كانوا أول من أبدع في وسيلة تنبيه الناس قبل صلاة الفجر، فقد اعتادوا على التثويب بعبارة «الصلاة خير من النوم» قبل الأذان الأول، لتذكير الناس بفضل الصلاة في وقتها، وهي عبارة ليست بدعة بل جاءت في السنة النبوية، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بلالًا أن يقولها في أذان الفجر، وقد أصبحت هذه العبارة شعارًا مميزًا يبعث الطمأنينة والإيمان في القلوب مع كل نداء للفجر.

وقد استخدم المصريون هذه العبارة كوسيلة بديلة عن الأذان الأول في بعض الأزمنة، فكان المؤذن أو المنادي يجوب الطرقات قبل الفجر بوقت قصير داعيًا الناس بقوله «الصلاة خير من النوم»، وهو ما يعكس إدراكهم العميق لمعنى الأذان الأول ومقصده، أي تنبيه الناس لا إعلامهم بدخول الوقت.

اتفاق المذاهب الفقهية على مشروعية الأذانين

اتفقت المذاهب الأربعة على مشروعية الأذانين للفجر، فقد ورد في كتب الحنفية أنه لا يجوز الأذان قبل الوقت في غير صلاة الفجر، بينما في الفجر يستحب ذلك لإيقاظ الناس، وأكد المالكية أن أذان الفجر الأول مستحب في آخر الليل، أما الشافعية فقد نصوا على أن السنة أن يكون للمسجد مؤذنان، أحدهما يؤذن قبل الفجر والآخر بعده، فإن لم يوجد إلا مؤذن واحد أذن مرتين، وذهب الحنابلة إلى أن الأذان للفجر يجوز بعد منتصف الليل تقريبا لتأهب الناس للصلاة.

ويجمع الفقهاء على أن الحكمة من الأذان الأول هي تهيئة النفوس وتنبيه النائمين، خاصة في زمن كانت الناس فيه تعتمد على صوت المؤذن لمعرفة الوقت، بينما الأذان الثاني مرتبط بدخول الوقت الشرعي لبدء الصلاة

حكم الأذانين في العصر الحديث

أوضحت دار الإفتاء المصرية أن وجود الأذانين لصلاة الفجر ما زال جائزًا ومحببًا حتى في وقتنا الحاضر، خاصة إذا كان الناس متفقين على ذلك في الحي أو المسجد، ولا ضرر منه مع وجود الوسائل الحديثة لتحديد الوقت مثل الساعات والتقويمات، وأكدت أن العبرة في النهاية أن يُعلم الناس أن الصلاة لا تجوز إلا بعد الأذان الثاني، لأنه هو الذي يدل على دخول وقت الفجر الصادق.

كما ذكرت الدار أن الأصل في الأذان أنه إعلام بدخول وقت الصلاة، إلا أن صلاة الفجر خُصت بحكم خاص وهو جواز الأذان قبل دخول الوقت، لأن الفجر وقت نوم الناس وهدوءهم، فكان من رحمة الإسلام بهم أن جعل لهم نداءً أول يوقظهم ويمهدهم للصلاة.

الفجر وفضل الاستيقاظ له

إن صلاة الفجر تمثل اختبارًا حقيقيًا للإيمان والعزيمة، فهي تحتاج إلى يقظة قلب قبل يقظة جسد، ولهذا فإن الأذان الأول للفجر بمثابة دعوة روحية لاستحضار النية والاستعداد للقاء الله، بينما الأذان الثاني هو نداء التنفيذ والامتثال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله»، مما يدل على مكانتها العظيمة وفضل أدائها في وقتها.

ويُعد صوت الأذان في الفجر من أجمل الأصوات التي تهز القلوب وتملأ النفوس سكينة، فهو نداء النور بعد ظلمة الليل، وتذكير بأن يوماً جديدًا قد بدأ بالعبادة والذكر.

وجود أذانين لصلاة الفجر ليس بدعة ولا اختلافًا في الدين، بل هو سنة نبوية أصيلة تهدف إلى التيسير على الناس وتذكيرهم بفضل هذه الصلاة العظيمة، فالأذان الأول للفجر يوقظ النائمين ويهيئ النفوس، والأذان الثاني يعلن دخول الوقت الحقيقي، وبين النداءين تلتقي الرحمة الإلهية بحرص الإنسان على الطاعة، لتبقى «صلاة الفجر» عنوانًا للصفاء والإيمان في بداية كل يوم.

تم نسخ الرابط