الإفتاء توضح حكم فرض غرامة التأخير على الأقساط
الإفتاء أكدت دار الإفتاء المصرية من خلال تصريحات لأمين الفتوى الدكتور محمود شلبي أن مسألة فرض غرامة تأخير على الأقساط تحتاج إلى «ضبط شرعي دقيق» لأنها تتعلق بأحكام «الربا» و«العقود المالية» التي تُبنى على التراضي والوضوح بين الطرفين، وجاء ذلك ردًا على سؤال ورده حول حكم محاسبة المشتري على فترة التأخير عند بيعه الأجهزة بنظام التقسيط، وقد شدد الدكتور شلبي على ضرورة التفرقة بين من يتأخر لعذرٍ وبين من يماطل عمدًا، موضحًا أن «الإفتاء» تهدف إلى توعية الناس بكيفية التعامل الصحيح في مثل هذه المعاملات المالية التي تكثر في حياتنا اليومية.
البيع بالتقسيط جائز بشرط الاتفاق المسبق
أوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية أن «البيع بالتقسيط جائز شرعًا» إذا تم الاتفاق المسبق على الثمن وطريقة السداد، وأنه لا حرج في أن يكون ثمن السلعة في التقسيط أعلى من سعرها في البيع النقدي ما دام الطرفان اتفقا على ذلك من البداية قبل العقد، وأشار إلى أن «الإفتاء» تفرق بوضوح بين الزيادة المشروعة في الثمن مقابل الأجل وبين الزيادة غير المشروعة الناتجة عن التأخير بعد العقد، فالأولى جائزة لأنها جزء من التعاقد، أما الثانية فهي تعد من «الربا المحرم» الذي نهى الله تعالى عنه.
كما بيّن أمين الفتوى أن «الشرع الشريف حرم الربا والاستغلال» منعًا للإضرار بالناس، مؤكّدًا أن الدائن لا يجوز له أن يفرض على المدين المعسر أي زيادة مقابل تأجيل السداد، لأن هذا الفعل يدخل في باب «الربا الجاهلي» الذي كان يقوم على زيادة الدين مقابل الأجل، وقد استشهد بقول الله تعالى «وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ»، وهو نص قرآني يوجب الرحمة واللين مع المتعثرين.
الإفتاء.. لا يجوز فرض زيادة مقابل التأخير
أضاف الدكتور شلبي أن «الإفتاء» ترى أن الزيادة التي تُفرض على المدين بسبب التأخير في السداد تُعتبر «ربا محرمًا» لأنها زيادة على الدين من غير عوض، وأكد أن كثيرًا من الناس يجهلون هذا الحكم ويظنون أن فرض غرامة التأخير هو نوع من «الانضباط المالي» بينما هو في الحقيقة مخالفة شرعية صريحة إذا لم تكن هناك نية إصلاح أو تعويض حقيقي عن ضرر ثابت.
وأشار إلى أن «الإفتاء» تتلقى باستمرار استفسارات من التجار وأصحاب الشركات حول هذا الأمر، ولذلك تعمل الدار على توضيح الصورة للناس حتى لا يقعوا في الحرام دون قصد، موضحًا أن العقود الشرعية يجب أن تكون «واضحة ومنضبطة» وألا تتضمن شروطًا خفية أو بنودًا تخالف الشرع ولو بشكل غير مباشر.
الإفتاء تفرّق بين المماطل والمعسر
أوضح أمين الفتوى في دار الإفتاء أن هناك فرقًا بين المدين الذي «يتعثر لعذر حقيقي» والمدين الذي «يماطل عمدًا رغم قدرته على السداد»، ففي الحالة الأولى يجب على الدائن أن يمهله حتى تتحسن ظروفه المالية ولا يجوز مطالبته بأي زيادة أو غرامة، أما في الحالة الثانية إذا ثبتت المماطلة وأدى التأخير إلى ضرر فعلي على الدائن مثل خسارة في رأس المال أو تأخير في التزاماته المالية، فيجوز حينها للدائن أن يطلب «تعويضًا عن الضرر الفعلي» فقط وليس بنسبة محددة مسبقًا.
وبيّن أن هذا التعويض لا يُحتسب كنسبة مئوية من الدين، بل يُقدّر بقدر الضرر الواقعي الذي أصاب الدائن، ويجب أن يتم تحديده من خلال «أهل الخبرة أو لجنة تحكيم شرعية» لضمان العدالة بين الطرفين، وهذا ما تؤكد عليه الإفتاء دومًا عند إصدار الفتاوى الخاصة بالمعاملات المالية.
لا يجوز كتابة شرط الغرامة في العقد
تابع الدكتور محمود شلبي موضحًا أن «كتابة شرط الزيادة في عقد البيع بالتقسيط ابتداءً لا تجوز شرعًا» لأن هذا الشرط يُعد من شروط الربا المحرمة، فالبيع بالتقسيط في حد ذاته مباح إذا تم الاتفاق المسبق على الثمن وطريقة السداد، لكن إضافة شرط ينص على زيادة مالية عند التأخير في السداد يُخرج العقد من دائرة الإباحة إلى دائرة التحريم.
وأكدت «الإفتاء» أن الحل الشرعي الصحيح هو أن يُكتب في العقد بند ينص على أنه في حالة المماطلة دون عذر يُرجع الأمر إلى جهة مختصة لتقدير الضرر الفعلي، دون تحديد نسبة مسبقة، لأن هذا يراعي «العدالة والرحمة» في آن واحد، فلا يُظلم الدائن ولا يُرهق المدين، وهو ما يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية.
الفتاوى الاقتصادية ودور الإفتاء في توعية المجتمع
تؤكد دار الإفتاء المصرية أن دورها لا يقتصر على إصدار الأحكام الفقهية فقط، بل يمتد إلى «توعية الناس وتبصيرهم بالمعاملات المالية الصحيحة» التي تحفظ الحقوق وتمنع النزاعات، وتعمل الدار من خلال لجانها المتخصصة على إصدار فتاوى اقتصادية معاصرة تراعي طبيعة العصر ومتغيراته، دون الإخلال بثوابت الشرع، ولهذا تكثر في الآونة الأخيرة فتاوى تتعلق بـ«التقسيط، البنوك، الفوائد، والتعاملات التجارية».
وأوضحت «الإفتاء» أن مثل هذه القضايا تتطلب فقهًا دقيقًا وفهمًا لمقاصد الشريعة، لأن الإسلام دين «رحمة وعدل»، فهو لا يمنع الربح المشروع لكنه في الوقت نفسه يرفض الاستغلال والربا والظلم، ودعت الناس إلى الرجوع إلى دار الإفتاء عند كل معاملة مالية مشكوك في مشروعيتها لتجنب الوقوع في الحرام.
خلاصة الإفتاء حول غرامة التأخير
اختتمت دار الإفتاء المصرية فتواها بالتأكيد على أن «البيع بالتقسيط جائز شرعًا» إذا تم الاتفاق على الثمن مسبقًا، وأن فرض غرامة تأخير على الأقساط غير جائز إذا كانت على سبيل الزيادة في الدين، أما إذا كان الغرض منها تعويضًا عن ضرر فعلي بعد تحقق المماطلة فهي جائزة بقدر الضرر فقط، وشددت «الإفتاء» على ضرورة «تحري الحلال في كل المعاملات» لأن المال الطيب أساس البركة في الحياة.