هل يجوز الإجهاض بعد نفخ الروح لحماية حياة الأم؟.. الإفتاء توضح

الإجهاض يظل من القضايا الشائكة التي تشغل بال الكثير من الأسر والنساء خاصة عند وجود عوامل صحية تهدد حياة الأم أو الجنين، وفي هذا السياق ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال صريح حول «حكم الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين» حال وجود خطر على الأم أو عند وجود تشوهات خَلقية بالجنين، وهو السؤال الذي حاولت «الإفتاء» الإجابة عليه استنادًا إلى أقوال الفقهاء وآراء الأطباء المختصين.
الخطر على الأم مبرر معتبر شرعًا
أكدت دار الإفتاء أن «الإجهاض» بعد نفخ الروح في الجنين لا يجوز بأي حال من الأحوال إلا في حالة واحدة فقط وهي «الضرورة الشرعية»، وأوضحت أن هذه الضرورة تُقدّر من قِبل طبيب مسلم عادل موثوق في رأيه، فإن قرر هذا الطبيب أن استمرار الحمل سيُعرض الأم إلى خطرٍ حقيقيٍ على حياتها أو سيؤدي إلى «استئصال رحمها» أو يُصيبها بعجز دائم أو مرض عضال لا يُرجى شفاؤه، فإن الشريعة الإسلامية في هذه الحالة تُجيز الإجهاض وتعتبره من باب دفع الضرر الأكبر بضرر أصغر.
وأشارت الإفتاء إلى أن هذه القاعدة الفقهية تنطلق من مبدأ حفظ النفس الذي يُعد من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، فحياة الأم التي هي أصل في الوجود تُقدَّم على حياة الجنين الذي لم يُولد بعد، طالما أن بقاءه يمثل تهديدًا وجوديًا لها.
التشوهات ليست مبررًا كافيًا
وعن مسألة «تشوه الجنين»، أكدت دار الإفتاء أن هذه المسألة لا تبرر الإقدام على «الإجهاض»، موضحة أن الجنين حتى وإن كان مشوهًا فإن له كرامة الإنسان الكامل مادام حيًا في رحم أمه، ولا يجوز إسقاطه لمجرد العيوب الخَلقية أو لأن الأطباء يتوقعون عدم استمراره في الحياة بعد الولادة، فالقاعدة الشرعية تنص على أن اليقين لا يزول بالشك، واحتمالية موت الجنين لا تُعتبر يقينًا يُجيز القتل أو الإجهاض.
مدة 120 يومًا.. الفيصل في التحريم القطعي
وأوضحت «الإفتاء» أن العلماء أجمعوا على أن الجنين إذا بلغ من العمر في بطن أمه «120 يومًا» وهي المدة التي تُعرف بنفخ الروح فيه، فإنه يُصبح في حكم النفس البشرية الكاملة، ويُحرَّم «الإجهاض» حينها تحريمًا قاطعًا لا جدال فيه، بل ويُعد قتلًا للنفس التي حرَّم الله قتلها إلا بالحق.
واستندت الفتوى إلى عدد من الآيات القرآنية الواضحة منها قوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ» في سورة الأنعام، وقوله سبحانه: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» في سورة الإسراء، مشيرة إلى أن هذه النصوص تقطع بحرمة «الإجهاض» بعد هذه المرحلة إلا إذا توافرت الضرورة كما سبق.
ما قبل 120 يومًا.. اختلاف فقهي
أما إذا لم يبلغ عمر الجنين 120 يومًا بعد، فهنا يوجد خلاف فقهي بين المذاهب الإسلامية، حيث ذهب بعض العلماء إلى تحريم «الإجهاض» مطلقًا حتى في هذه المرحلة، وهو ما ذهب إليه المالكية والظاهرية، بينما رأى بعض الفقهاء الكراهة في الإجهاض مطلقًا دون اعتبار للظروف، وهو رأي بعض فقهاء المالكية، ومنهم من أجاز الإجهاض قبل نفخ الروح إذا وجد عذر معتبر، وهذا رأي بعض الأحناف والشافعية.
ورغم هذا الخلاف، أوضحت «الإفتاء» أن الرأي الراجح والمُعتمد في الفتوى هو «تحريم الإجهاض مطلقًا» سواء تم قبل أو بعد نفخ الروح، إلا إذا وُجدت ضرورة شرعية قائمة تستند إلى رأي طبي موثوق، وهو ما يُمثل توازنًا بين رأي الشرع وتقدير الواقع.
فتوى واضحة تحفظ التوازن بين الأم والجنين
وجددت دار الإفتاء تأكيدها على أن «الإجهاض» لا يجوز إلا في حالات الضرورة، وهذه الضرورة يجب أن تُثبت طبيًا بشكل قاطع، ولا يجوز للأم أو للأسرة اتخاذ قرار الإجهاض لمجرد التخوف أو اليأس أو تشخيص غير دقيق، فحياة الجنين لا تُقاس بجودة حياته أو مدى سلامة أعضائه، وإنما تُقاس بوجوده نفسه، وإذا كانت ولادته صعبة أو معقدة فهذا ليس مبررًا كافيًا للجوء إلى الإجهاض، طالما يمكن توليد الأم بطريقة قيصرية أو جراحية دون المساس بحياتها.
الجنين المشوه.. حياة يجب احترامها
وتطرقت الفتوى إلى مقارنة هامة بين الجنين المشوه والطفل المعوق بعد ولادته، وأوضحت أن الشريعة لا تُفرق بينهما من حيث الكرامة والحق في الحياة، فكما لا يجوز قتل الطفل المشوه بعد ولادته بدعوى إعاقته، فكذلك لا يجوز إسقاط الجنين المشوه في رحم أمه لهذا السبب، لأن كليهما يُعد حيًا ويتنفس ويتحرك ويتغذى، ومن ثم فإن كرامة الحياة لا تنتقص بسبب وجود خلل عضوي أو تشوه خلقي.
الإجهاض مسؤولية شرعية وطبية
وفي ختام الفتوى شددت دار الإفتاء المصرية على أن «الإجهاض» ليس قرارًا شخصيًا تتخذه المرأة وحدها، وإنما هو أمر يرتبط بحياة إنسان آخر في رحمها، ولذا يجب أن يُتخذ بناء على مشورة أهل العلم والدين والطب، وعلى أساس الضرورة الملحة وليس على مجرد الظنون والتوقعات.
وأشارت إلى أن الشريعة الإسلامية تحترم العلم وتُقدره ولكنها في الوقت نفسه لا تُخضع حياة الإنسان لمجرد التنبؤات، لذلك فإن قرارات مثل الإجهاض يجب أن تتم وفق ضوابط دقيقة تحفظ التوازن بين «كرامة الجنين» و«حياة الأم»، وتُراعي المقاصد العليا للإسلام.