ما حكم جمع حصى الجمرات قبل مزدلفة؟.. “الإفتاء” تكشف التفاصيل الشرعية

الإفتاء أكدت أن «رمي الجمرات» يعد من الشعائر الأساسية في مناسك الحج، ويأتي ضمن أعمال أيام التشريق التي يؤديها الحجاج خلال وجودهم في مشعر منى، وتوضح هذه الشعيرة من خلال ترتيب محدد يبدأ بالجمرة الصغرى، وهي الأقرب إلى مسجد الخيف، ثم تليها الجمرة الوسطى، ثم جمرة العقبة الكبرى، والتي تقع في نهاية حدود منى من جهة مكة، ويقوم الحاج عند رمي كل واحدة من هذه الجمرات باستخدام «سبع حصيات متتالية»، ويُكبّر مع كل رمية، ويُسن الوقوف للدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى والوسطى، أما الجمرة الكبرى فلا يستحب الوقوف بعدها للدعاء.
هل يُشترط جمع الحصى من مزدلفة؟ الإفتاء توضح الفتوى بالأدلة
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن «جمع حصى الجمرات» من مزدلفة ليس من الواجبات في الشريعة الإسلامية، وإنما يجوز للحاج أن يلتقط الحصى من أي موضع يشاء، سواء كان داخل مزدلفة أو خارجها، وهو ما يُعد تيسيرًا واضحًا من الشريعة الإسلامية على الحجاج، ويأتي هذا التوضيح في سياق الاستناد إلى «الأحاديث النبوية الشريفة»، التي توضح مرونة هذا الجانب من الشعائر.
وقد استشهدت الإفتاء بما ورد عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حيث قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: «هات القط لي، فلقطت له حصيات هن حصى الخذف»، فلما وضعتهن في يده قال: «بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»، وقد رواه الإمام أحمد، وابن ماجه، والنسائي، ويُستفاد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يلتقط الحصى من مزدلفة، بل كان ذلك في منى، كما جاء في النص، وهو ما يدل على عدم التشدد أو التقييد بمكان معين لجمع الحصى.
الشريعة ضد «الغلو» في الدين ومواضع الشعائر
أكدت الإفتاء أن مفهوم الحديث السابق يتضمن تحذيرًا واضحًا من الغلو والتشدد في أداء الشعائر، سواء من حيث المكان أو الطريقة، فقد نبّه النبي الكريم على خطورة الغلو بقوله «وإياكم والغلو في الدين»، وهو ما يعني أن فرض اشتراطات معينة لم يُلزم بها الشرع يدخل ضمن باب الغلو المذموم، وبالتالي فإن تقييد موضع جمع الحصى ليكون فقط من مزدلفة لا أصل له من جهة الإلزام، بل يدخل في نطاق التيسير الذي تقوم عليه مقاصد الشريعة.
المذاهب الأربعة تتفق مع الإفتاء في التيسير
الإفتاء أشارت إلى أن جمهور الفقهاء من أئمة المذاهب الأربعة قد أقروا جواز جمع الحصى من أي مكان، دون حصره في منطقة معينة، وقد نقلت الإفتاء آراء كبار العلماء الذين أكدوا هذا التيسير، ومنهم الإمام أكمل الدين البابرتي في كتابه «العناية»، والإمام الحطاب في كتاب «مواهب الجليل»، والإمام النووي في «المجموع»، والعلامة البهوتي في «كشاف القناع»، وجميعهم أجمعوا على أن موضع التقاط الحصى ليس شرطًا في صحة الرمي، وإنما هو أمر متروك للتيسير والتنظيم، ولا يُقصد به التشديد أو الحرج.
الإفتاء توضح ما ورد من آراء الفقهاء حول كراهة أماكن معينة
وفيما يخص بعض الآراء الفقهية التي ورد فيها كراهة جمع الحصى من أماكن معينة، بيّنت الإفتاء أن هذه الأقوال لا تتعلق بصحة الرمي من الناحية الشرعية، بل تعود إلى حالات خاصة وظروف معينة، كأمور تنظيمية أو اجتهادات فردية، وليس لها علاقة بمبدأ التيسير الذي تقوم عليه الفتوى العامة، وبالتالي فإن من أخذ الحصى من أي مكان في مكة أو منى أو حتى مزدلفة، فإن رميه صحيح ولا غبار عليه شرعًا.
الشريعة قائمة على رفع الحرج.. والإفتاء تؤكد على اليسر
وأوضحت الإفتاء أن «الشريعة الإسلامية» بطبيعتها تقوم على اليسر ورفع الحرج، وهذا يتجلى في تعاملها مع تفاصيل العبادات والمناسك، وقد شرع الله للحجاج من التيسيرات ما يخفف عنهم مشقة الزحام والتنقل، خصوصًا في أوقات الذروة، ولهذا فإن فرض اشتراطات لم يُلزم بها النبي عليه الصلاة والسلام أو الصحابة رضي الله عنهم يُعد من التشدد غير المحمود.
الإفتاء تذكر الحجاج بالنية وتجنب المشقة
وجهت الإفتاء رسالة إلى الحجاج مفادها أن «النية» هي الأساس في أداء الشعائر، وأن رمي الجمرات لا يرتبط بمكان جمع الحصى بقدر ما يرتبط بإخلاص النية واتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مؤكدة أن من التقط الحصى من الطرقات أو من ساحة الفندق أو من أطراف منى فله أن يرمي بها دون أن يُثرب عليه أحد، فالعبرة في المناسك هي الالتزام بالضوابط العامة وليس بالتشدد في التفاصيل.
فتوى الإفتاء تُطمئن الحجاج وتدعو للالتزام بالسُنة
وشددت الإفتاء على أن ما تضمنته هذه الفتوى إنما يهدف إلى التيسير على الحجاج وتذكيرهم بأن الإسلام دين رحمة وليس دين عنت، وأن في التزام السنة النبوية الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم النجاة والسلامة، مؤكدة أن رمي الجمرات بسبع حصيات صغيرة، مع التكبير، هو المطلوب شرعًا، أما مكان التقاط هذه الحصيات فليس فيه تقييد، وإنما التيسير هو الأصل، وقد وضحت الإفتاء هذا الأمر سبع مرات على الأقل في سياق هذه الفتوى، ليطمئن قلب الحاج ويسير على هدي النبي دون حرج.