السعودية وقطر يعيدان رسم «خريطة الشرق الأوسط» من تحت الطاولة

في البداية لقد شاهدنا المملكة العربية السعودية ودولة قطر الذين تقاسمتا حلّ ألغاز الشرق الأوسط، وزيارة ترامب تُفجّر تحالفات تاريخية من سوريا إلى غزة!، ووسط أزماتٍ تشعل المنطقة، تبرز السعودية وقطر كـ«لاعبَين خفيّين» يعيدان تشكيل خريطة التحالفات عبر استغلال زيارة ترامب الاستثنائية.
فبينما تتصدّر الرياض ملف رفع العقوبات عن سوريا، تتولى الدوحة مفاوضات غزة ببراعة، في مشهدٍ يُعيد تعريف دور الخليج كـ«صانع سلام» لا كمتلقٍّ للأجندات الدولية، فكيف حوّلت الدولتان زيارة الرئيس الأمريكي إلى جسرٍ لتحقيق مكاسب استراتيجية تُنهي صراعاتٍ عالقة؟.
ترامب يشعل مفاجأةً بطلب سعودي
ومن قلب الرياض، أشعل ترامب مفاجأةً بطلب سعودي «رفع العقوبات عن سوريا»!، وتصريحٌه جاء بعد لقاء ثلاثي سري بين ولي العهد السعودي، وترامب، ولحقه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الذي وصفه ترامب بـ«الشاب الجذاب ذي الماضي القوي»، كخطوةٌ تُمهّد لتطبيع العلاقات مع دمشق.
وتكشف تحوّل الرياض إلى «وسيط دولي» يُعيد إحياء الدور السوري، وسط تلميحاتٍ برفض أي تدخل إيراني مُحتمل تحت الضغط «السعودي الأمريكي».
استغلال زيارة ترامب لتمرير رسالة عالمية
وفي الدوحة عاصمة السلام، لم تكن «المساعدات الإنسانية» هي العنوان الوحيد، بل «صفقة الرهائن» التي أبرمتها قطر لإطلاق الأمريكي الإسرائيلي «عيدان ألكسندر»، ما دفع ترامب للإشادة بـ«القائد العظيم» الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني».
ولا تتوقّف المكاسب عند هذا الحد، فبـ«حنكة سياسية»، استغل الأمير القطري زيارة ترامب لتمرير رسالةٍ عالمية، الانتقال من استضافة مونديال 2022 إلى التحضير لنسخة 2026 بالشراكة مع واشنطن، في خطوةٍ تعزز مكانة الدوحة كـ«عاصمة دبلوماسية» لا تُضاهى.
وأشير في مقالي : إلى وصف الرئيس الامريكي «شابان طويلان وسيمان» بهذه العبارة المثيرة، امتدح ترامب ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» وأمير دولة قطر «تميم بن حمد»، كاشفًا عن تقارب غير مسبوق بين واشنطن ودول الخليج.
ولكن الإطراءات لم تكن مجاملة دبلوماسية؛ فالسعودية حصلت على ضمانات أمريكية بدعم استقرار سوريا، بينما حصدت قطر اعترافًا بدورها كـ«وسيط لا غنى عنه» في الملفات الشائكة، من أفغانستان إلى إيران، ما يُعيد رسم تحالفات المنطقة تحت شعار«المصالح فوق الخلافات».
حماس تطلق تحذيرات
وعلى الجانب الفلسطيني، أطلقت حماس تحذيرًا: إدخال المساعدات لغزة شرطٌ لأي تفاوض، في إشارةٍ لاختبار جدية التحركات «القطرية الأمريكية»، ولكنّ قطر، بعلاقاتها الممتدة مع حماس وإسرائيل، تبدو الأقدر على كسر الجمود، خاصة بعد وساطتها الناجحة في صفقة تبادل الأسرى، بينما تُحاول الرياض كسب ورقة التطبيع عبر ربطه بتحسين أوضاع غزة، في لعبةٍ سياسيةٍ قد تُعيد الفلسطينيين إلى الواجهة كـ«ورقة ضغط» مفاجئة.
وألفت هنا: إلى أن الزيارة كشفت أيضًا عن انزياحٍ استراتيجي في سياسة ترامب؛ فبعد سنوات من التوتر مع قطر بسبب أزمة الحصار، ها هو يُعلن علاقاتنا بقطر الأعلى في التاريخ، ومُشيرًا: إلى دورها المحوري في مواجهة إيران، وتحوّلٌ يُذكّر بمرونة السياسة الأمريكية، لكنه يُبرز حقيقةً واحدة: الخليج لم يعد مجرد مُتفرج، بل لاعبٌ يفرض شروطه بلغة المصالح الصارمة، حتى لو تطلب الأمر استعارة أدوات الخصوم!.
تحالفات الخليج أمام امتحانٍ مصيري
وأحذر : من أن تحالفات الخليج أمام امتحانٍ مصيري الآن، فرغم النجاحات الباهرة، تظل «لعبة التحالفات الجديدة» على حبالٍ مشدودة فـ«تقلبات ترامب» قد تُعيد سوريا إلى مربع العقوبات، وعناد إسرائيل قد يفجر أزمات غزة من جديد.
بينما تُحاول إيران إفشال أي تقارب سعودي-أمريكي عبر وكلائها، ولكنّ الخطر الأكبر يكمن في الشرخ الخفي بين الرياض والدوحة، فهل يُخفي التعاون الحالي تنافسًا على زعامة المنطقة؟، أم أن المصير المشترك فرض تحالفًا استثنائيًّا.. قبل أن تبتلع الأزمات الجميع؟ .
وهنا أختم المقال وأقول: إن الرسالة الأهم من زيارة ترامب جعل الشرق الأوسط الجديد يُولد من رحم المصالح المشتركة!، فالسعودية، بدهائها السياسي، حوّلت نفسها إلى حارسٍ لمصالح الغرب في سوريا، بينما قطر، بدهاءٍ موازٍ، تسحب البساط من تحت الخصوم عبر ورقة غزة.
ولكن يبقى السؤال: هل هذه التحالفات الجديدة قادرة على تحقيق الاستقرار، أم هي مجرد هدنة مؤقتة تنتظر انفجار الأزمات من جديد؟، والإجابة قد تكمن في قدرة الدماء العربية على التكاتف، أم أن المنطقة تتعلم أخيراً أن مصيرها بيد أبنائها.. بعدما طال انتظار اليقظة؟.