تحذير طبي للأمهات.. هذا ما تسببه قلة النوم بعد الولادة النفسية والجسدية

الولادة هي لحظة فارقة في حياة كل امرأة، تحمل في طياتها مزيجًا من الفرح والإرهاق والتغيير الجذري في أنماط الحياة، ومع قدوم المولود الجديد تبدأ الأم رحلة شاقة تتطلب منها مجهودًا بدنيًا ونفسيًا مضاعفًا، خاصة عندما تقل ساعات النوم أو تنعدم كليًا في الأسابيع الأولى بعد الولادة، وقد حذر أطباء النفس والتغذية من «مخاطر حقيقية» تترتب على هذا النقص في النوم، سواء من الناحية النفسية أو الجسدية، حيث لا تؤثر قلة النوم على المزاج فقط، بل تمتد لتؤثر على وظائف الدماغ وصحة القلب وحتى المناعة، وفي هذا المقال يسلط القارئ نيوز الضوء على أبرز ما كشفه المتخصصون حول تأثير قلة النوم بعد الولادة على صحة الأمهات.
تغيرات «جذرية» في كيمياء الدماغ بعد الولادة
أشارت دراسات طبية حديثة إلى أن قلة النوم بعد الولادة تؤدي إلى اضطرابات في كيمياء الدماغ، حيث يحدث خلل في إفراز بعض النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، وهي المواد التي تتحكم في الحالة المزاجية والانفعالات.
ومع تكرار السهر والإرهاق الجسدي قد تدخل الأم في حالة من «الاكتئاب النفسي» المعروف باكتئاب ما بعد الولادة، وهو من الحالات الشائعة التي تصيب عددًا كبيرًا من الأمهات الجدد، ويُعزى ذلك إلى تداخل عدة عوامل أبرزها قلة النوم وضغط المسؤوليات والخوف من الفشل في أداء الدور الجديد.
قلة النوم بعد الولادة وتأثيرها على الجهاز المناعي
قلة النوم لا تؤثر فقط على الحالة النفسية، بل تضعف أيضًا الجهاز المناعي بشكل واضح، فالجسم يعتمد على ساعات النوم الليلية لإنتاج خلايا الدم البيضاء التي تعمل كخط الدفاع الأول ضد البكتيريا والفيروسات.
ومع قلة النوم المستمرة بعد الولادة، تصبح الأم أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد والعدوى الفيروسية، بل ويزداد خطر الإصابة بالتهابات الثدي والتهاب المجاري البولية، وهي أمراض قد تؤثر بدورها على قدرتها في العناية بالمولود.
تحذير من تدهور التركيز وزيادة نوبات القلق
أكد خبراء الطب النفسي أن قلة النوم المتكررة تؤدي إلى تدهور القدرة على التركيز واتخاذ القرارات، وهو ما قد يجعل الأم عرضة لاتخاذ خيارات غير صائبة في التعامل مع الطفل أو حياتها اليومية.
كما أن النوم المتقطع أو المنعدم يزيد من إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، مما يؤدي إلى شعور دائم بـ«القلق والتوتر»، وقد تصاب الأم بنوبات من البكاء أو الانفعال الزائد دون سبب واضح، وهي أعراض تستدعي التدخل والدعم النفسي فورًا.
قلة النوم وتأثيرها على صحة القلب والوزن
من المعروف أن النوم الجيد ليلاً يُعد عاملًا مهمًا في الحفاظ على توازن ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، لكن بعد الولادة ونتيجة لنقص ساعات النوم، قد يرتفع ضغط الدم بشكل غير متوقع، ويزداد خطر الإصابة بأمراض القلب على المدى البعيد.
كما أن قلة النوم تؤثر على هرمونات الجوع والشبع مثل اللبتين والغريلين، مما يدفع الأم إلى تناول كميات أكبر من الطعام بحثًا عن الطاقة، ويؤدي ذلك إلى زيادة الوزن بعد الولادة بدلاً من فقدانه، وهو ما يشكل ضغطًا نفسيًا إضافيًا على الأم التي ترغب في استعادة لياقتها.
الولادة و«اضطراب الساعة البيولوجية» للأم
تُعد الولادة أحد أكبر التغيرات التي تؤثر على الساعة البيولوجية للجسم، فالنظام اليومي للأم يتغير بشكل مفاجئ، وتفقد جسدها القدرة على التمييز بين النهار والليل، نتيجة اضطرارها للاستيقاظ بشكل متكرر لرعاية الرضيع.
هذا الاضطراب في الإيقاع اليومي ينعكس سلبًا على مستويات الطاقة واليقظة، وقد تجد الأم نفسها في حالة من الإرهاق المستمر رغم أنها لم تقم بأي مجهود بدني كبير، مما يزيد من شعورها بالإحباط والضغط.
متى تصبح قلة النوم خطرًا يستدعي التدخل؟
يوضح الأطباء أن قلة النوم تصبح مشكلة خطيرة إذا استمرت لأكثر من شهر بعد الولادة دون تحسن، خاصة إذا كانت مصحوبة بأعراض مثل القلق الشديد، انعدام الشهية، نوبات بكاء متكررة، أو أفكار سلبية عن الذات أو الطفل.
في هذه الحالة، يُنصح الأم بطلب الدعم من الأسرة أو الأصدقاء، وعدم التردد في استشارة طبيب نفسي، حيث تتوفر الآن برامج دعم نفسي مخصصة لفترة ما بعد الولادة تساعد الأمهات على تجاوز هذه المرحلة دون مضاعفات.
نصائح للحصول على نوم أفضل بعد الولادة
رغم أن النوم المتواصل قد يكون أمرًا صعبًا في الشهور الأولى، إلا أن هناك بعض الاستراتيجيات التي تساعد الأم على تحسين جودة النوم مثل:
النوم بالتزامن مع نوم الرضيع، حتى لو كان ذلك خلال النهار
طلب المساعدة من الزوج أو أحد أفراد الأسرة في بعض المهام الليلية
تقليل استخدام الهاتف أو الشاشات قبل النوم لتجنب اضطرابات النوم
الحرص على ممارسة التأمل أو التنفس العميق لتقليل التوتر
تناول وجبات خفيفة قبل النوم لتجنب الاستيقاظ بسبب الجوع
الولادة هي بداية مرحلة جديدة تتطلب من الأم توازنًا دقيقًا بين العطاء والرعاية الذاتية، وقلة النوم هي أحد التحديات الكبرى التي تمر بها الأمهات في هذه الفترة، إلا أن إدراك المخاطر والسعي للحصول على قسط كافٍ من الراحة يمكن أن يحميهن من «تبعات نفسية وجسدية» خطيرة.
يجب أن تحظى الأم بالدعم الكامل من محيطها، سواء من الناحية العاطفية أو العملية، لأن رعاية الأم لا تقل أهمية عن رعاية الطفل، وكلما كانت الأم بخير، كان الطفل أيضًا أكثر صحة وسعادة.