ما حكم الشرع في الدخول إلى شبكة إنترنت غير محمية؟.. الإفتاء تجيب

الإفتاء أكدت من خلال فتوى رسمية منشورة على موقعها الإلكتروني أن الدخول إلى شبكات الإنترنت اللاسلكية «الواي فاي» المشفرة دون إذن صريح من صاحبها لا يجوز شرعًا بأي حال من الأحوال، وأوضحت الإفتاء أن قيام صاحب الشبكة بتشفيرها يعني صراحةً أنه لا يبيح استخدامها إلا لمن يسمح له بذلك، واعتبرت الإفتاء أن من يدخل إلى تلك الشبكات بدون إذن يكون متعديًا على مال الغير وهو ما يعد «حرامًا شرعًا» وفقًا لقواعد الشريعة الإسلامية التي تحفظ المال وتمنع الاعتداء عليه بأي شكل كان، وقد جاء هذا التوضيح استجابة لتساؤلات عدد كبير من الناس حول مدى جواز استخدام شبكات الإنترنت المجانية أو غير المحمية، وخاصة في ظل انتشار التقنية وسهولة الاتصال بها في كل مكان تقريبا.
الحكم الشرعي في استخدام الشبكات المفتوحة
أشارت الإفتاء إلى أن الحكم يختلف إذا ما كانت شبكة الإنترنت مفتوحة أو غير مشفرة، ففي هذه الحالة قالت الإفتاء إنه لا مانع شرعًا من الدخول عليها في حال كانت الشبكة متاحة في أماكن عامة كالمكتبات والمطارات والمقاهي وغيرها من الأماكن التي توفر الخدمة لعامة الناس، وأكدت الإفتاء أن هذه الشبكات تكون في العادة «مُعدّة للاستخدام العام» وبالتالي فإن استعمالها لا يعد تعديًا أو سرقة بل هو استخدام لما أُتيح شرعًا وعرفًا، أما إذا كانت هذه الشبكة المفتوحة تابعة لأحد الأفراد داخل منزله أو عمله الخاص فإن الإفتاء ترى أن الأصل فيها هو المنع، ولا يجوز استعمالها إلا بإذن صريح أو من خلال وجود عرف متعارف عليه يُبيح للغير استخدامها مثل الاتفاق بين الجيران أو التراخي المعروف في بعض المناطق.
الاستفادة من الشبكة «منفعة متقوّمة»
أوضحت الإفتاء في فتواها أن خدمة الإنترنت اللاسلكي أو ما يُعرف بـ«الواي فاي» تُعد من المنافع المتقومة، والمقصود بذلك أنها «منافع لها قيمة» في أعراف الناس وبالتالي فإنها تدخل ضمن ما تحميه الشريعة وتعتبر الاعتداء عليها كأنه اعتداء على مال محسوس، وقالت الإفتاء إن هذه المنافع تدخل في باب الأموال عند غالبية الفقهاء، سواء كانت تلك الأموال على صورة أعيان مادية أو منافع غير محسوسة لكنها ذات فائدة ملموسة للناس.
رأي المذاهب الفقهية الأربعة
طرحت الإفتاء في توضيحها آراء كبار الفقهاء في المذاهب الأربعة حول اعتبار المنافع أموالًا، حيث أشارت إلى أن جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن المنافع مالٌ معتبر شرعًا ويمكن التعامل معه كالعين المادية تمامًا.
المالكية
قال الإمام ابن عبد البر في كتابه «الاستذكار» إن كل ما يُتموَّل ويُمَلَّك يعد مالًا، وبهذا يكون الإنترنت من المنافع التي تدخل في دائرة المال لأن الناس يتداولونها ويتعاقدون عليها ويحددون لها أسعارًا ويعطونها قيمة، وهذا دليل قوي على أن التعدي عليها يشبه التعدي على أي سلعة مادية أخرى.
الشافعية
وقد جاء في كتاب «الحاوي الكبير» للماوردي من فقهاء الشافعية أن المنافع تجري مجرى الأعيان في الضمان، أي أن من يتعدى على هذه المنافع كما يتعدى على عين محسوسة يكون ضامنًا شرعًا لما أخذه أو استفاد منه دون وجه حق، وبهذا فإن استخدام شبكة واي فاي مشفرة بدون إذن يُعد في نظر الشافعية أمرًا موجبًا للضمان المالي وربما الإثم أيضًا.
الحنابلة
أشار الإمام ابن قدامة في كتابه «المغني» إلى أن المنافع تجري مجرى الأعيان من حيث صحة التعاقد وتحريم أخذ الزكاة وثبوت الغنى بها، بل وأكد أن هذه المنافع يمكن الوفاء بالدين من خلالها، وهو ما يعزز موقف من يرى أن استخدام الواي فاي دون إذن هو استخدام لمال الغير بغير وجه حق.
الأحناف
أما الأحناف فقد رأوا أن المنافع ليست أموالًا بحد ذاتها ولكنها تَتَقَوَّم بالعقد أو في باب الإجارة عند الحاجة، أي أنهم لا يعطون للمنافع حكم المال المستقل إلا في بعض الحالات، لكن مع ذلك فإن استخدام الواي فاي يدخل عندهم في باب الإجارة أيضًا إذا كان مأجورًا أو مقدمًا من جهة معينة بمقابل، وبالتالي فإن استخدامه دون إذن يمكن أن يكون «تعديًا شرعيًا» في هذه الحالة.
احترام الملكية العامة والخاصة
شددت الإفتاء على أن الشريعة الإسلامية تقوم على حفظ أموال الناس ومنافعهم، وأن الاعتداء على أموال الغير سواء كانت محسوسة أو غير محسوسة لا يجوز بأي حال، بل هو من «الذنوب الكبيرة» التي قد تؤدي إلى إفساد العلاقة بين الناس وزعزعة الثقة بينهم، وأكدت الإفتاء أن التكنولوجيا الحديثة لا تُغير من الحكم الشرعي بل تؤكد الحاجة إلى ضبط الاستخدام وفقًا للضوابط الشرعية والعرفية المعروفة في كل بيئة.
قاعدة الاستئذان والحقوق الرقمية
أوصت الإفتاء المسلمين بضرورة الالتزام بقاعدة «الاستئذان» في كل ما يخص ممتلكات الغير حتى في المجال الرقمي، وأشارت إلى أن مفهوم الحقوق لم يعد مقصورًا على الأموال والسلع فقط بل امتد ليشمل «الحقوق الرقمية» ومنها خدمة الإنترنت، وبهذا فإن احترام الشبكات الخاصة يدخل في إطار احترام أملاك الناس وعدم استباحتها دون حق أو إذن.
تعزيز القيم الأخلاقية في التعامل مع التكنولوجيا
دعت الإفتاء في ختام فتواها إلى غرس القيم الأخلاقية في نفوس الناس خاصة الشباب الذين يستخدمون التكنولوجيا بشكل دائم، وأكدت أن الشريعة لا تحرّم الانتفاع من الوسائل الحديثة بل تدعو إلى ضبط استخدامها بما يوافق الشرع والأخلاق، وأوضحت أن استخدام الواي فاي المشفر دون إذن صاحبه قد يكون في نظر البعض أمرًا بسيطًا لكنه في ميزان الشريعة يحمل أبعادًا «شرعية وأخلاقية» لا يجب الاستهانة بها.