الإفتاء تحسم الجدل.. حكم زواج رجل ببطاقة مزورة عبر مأذون شرعي

الإفتاء المصرية أصدرت بيانًا شديد الوضوح بشأن واحدة من القضايا المثيرة للجدل والتي تمس الجانب الأخلاقي والشرعي والقانوني في آنٍ واحد، وذلك بعد أن ورد إليها سؤال حول رجل فقد بطاقته الشخصية ليقوم شخص آخر «مجهول الهوية» باستخدامها في عقد زواج رسمي مع امرأة أمام مأذون شرعي مستخدمًا تلك البطاقة المزورة لإتمام القسيمة، وهو ما أثار تساؤلات كثيرة حول مشروعية هذا الزواج وحكمه الشرعي وآثاره القانونية.
زواج ببيانات مزورة.. العقد فاسد والزوجة يحق لها الفسخ
قالت دار الإفتاء المصرية بشكل قاطع إن العقد الذي تم بهذه الطريقة هو «عقد فاسد» من الناحية الشرعية، حيث يقع ضمن صور التغرير المتعددة التي تبدأ من انتحال الهوية وحتى إخفاء النسب والدين، وأوضحت الإفتاء أن هذا التغرير الجسيم يُسقط عنصر «الرضا» الذي هو شرط أساسي في صحة النكاح، وبناءً عليه يصبح من حق المرأة المطالبة بفسخ هذا العقد دون ترتب أي آثار صحيحة عليه من آثار الزواج الشرعي.
وأضافت الإفتاء أن الفسخ في هذه الحالة يُعد نقضًا تامًا للعقد من أساسه، بحيث يُلغى كأن لم يكن، ولا تنتج عنه أي حقوق زوجية شرعية كالنسب أو الميراث أو غيره، وهذا ما يجعل الأمر ليس فقط باطلًا من حيث الشكل بل مرفوضًا تمامًا من حيث المضمون، خاصة وأن الزواج تم عن طريق خداع تام للطرف الآخر.
البيانات الرسمية أساس الكفاءة والقبول
أكدت الإفتاء أن أخطر ما في الأمر هو تعمد استخدام بيانات مزورة تابعة لشخص آخر، وأن هذه البيانات التي تشمل الرقم القومي هي «المرآة الوحيدة» التي يمكن من خلالها التحقق من هوية الفرد ونسبه وحالته الاجتماعية وسجله الجنائي وغيرها من الأمور التي تشكّل أساسًا لقبول الزواج من عدمه، وأوضحت الإفتاء أن الكفاءة في الزواج في عصرنا الحالي لا تُفهم إلا في ضوء هذه البيانات الرسمية التي تُعتبر المعيار العملي الوحيد أمام الطرف الآخر.
كما نبهت الإفتاء إلى أن الزواج بناءً على هذه البيانات المزورة يُفقد الزوجة حقها في الاختيار والقبول عن وعي، ويعد ذلك تغريرًا كبيرًا يمس صلب العلاقة الزوجية ويؤسس لعلاقة مبنية على باطل شرعًا وقانونًا.
تغرير وظلم مع سبق الإصرار.. والزوجة ضحية بلا خيار
اعتبرت دار الإفتاء أن من أقدم على هذا الفعل ليس فقط ارتكب مخالفة شرعية بل ارتكب أيضًا «فعلًا يدل على ضعف الديانة» وغياب الضمير، حيث تعمّد ربط امرأة بعقد زواج رسمي لم يتم فعليًا في الواقع مما يجعلها عالقة بلا حل، فلا هي قادرة على استكمال هذا الزواج لأن الزوج الحقيقي لا وجود له من الأساس، ولا هي قادرة على الانفصال لعدم وجود طرف قانوني تم التعاقد معه أصلًا.
أشارت الإفتاء كذلك إلى أن مثل هذه المرأة قد تجد نفسها في مواقف أكثر تعقيدًا إذا حملت من هذا الرجل، إذ لا يمكنها في هذه الحالة إثبات نسب الطفل لأن الزوج الوهمي لا يحمل هوية قانونية حقيقية، مما يؤدي إلى أضرار نفسية واجتماعية وقانونية بالغة، ويجعل هذا الرجل غير كفء لأي امرأة مسلمة تُعرف بالصلاح والاستقامة.
التحقيق هو الفيصل.. والإفتاء توضح دور السلطات الرسمية
أكدت الإفتاء أن هذه الوقائع لا يمكن التعامل معها فقط من الناحية الفقهية بل يجب أن تُحال لجهات التحقيق الرسمية التي تمتلك القدرة على التحقق من صحة المستندات وهوية الأطراف وإثبات الانتحال والتزوير، كما أشارت إلى أن الجهات الرسمية هي المعنية بفصل النزاع وتحديد العقوبات المناسبة بناءً على القوانين المعمول بها، وهو ما يعكس أهمية التعاون بين الفقه والقانون في حماية المجتمع من مثل هذه التجاوزات الخطيرة.
كما شددت الإفتاء على أن الزواج الذي يتم بوسائل غير مشروعة ليس فقط باطلًا بل يحمل ضررًا متعدد الأبعاد ويُفقد العلاقة كل أركانها الشرعية والإنسانية ويحول النكاح من رابطة مودة ورحمة إلى «صفقة مبنية على الكذب والخداع».
رسالة الإفتاء للمجتمع.. لا زواج بلا شفافية وهوية واضحة
وجهت دار الإفتاء رسالة صريحة إلى المجتمع مفادها أن الزواج مؤسسة قائمة على الصدق والشفافية والرضا المتبادل، وأن أي خرق لهذه المبادئ الأساسية يمثل «جريمة شرعية وأخلاقية» لا يمكن التغاضي عنها، وطالبت الإفتاء الأسر والشباب والفتيات بالتأكد من هوية الطرف الآخر ومراجعة الأوراق الرسمية بدقة قبل الإقدام على خطوة الزواج، تفاديًا للوقوع في فخ التزوير الذي قد يدمّر حياة أبرياء.
وأكدت الإفتاء أيضًا أن الأصل في الإسلام هو حماية حقوق المرأة وصيانة كرامتها، وأن أي تصرف من هذا النوع يُعد تعديًا صريحًا على هذه المبادئ ويستلزم موقفًا حاسمًا من المؤسسات الدينية والقانونية معًا.