صحابي جليل يشهد له النبي «قدماه أثقل من جبل أحد يوم القيامة»

صحابي جليل هو عبد الله بن مسعود، واحد من أبرز أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان لهم مكانة عظيمة في الإسلام، ويعد من أوائل من دخلوا في الدين الحنيف، فقد كان «سادس من أسلم» وشهد مع الرسول جميع الغزوات الكبرى من بدر إلى الخندق وصولًا إلى بيعة الرضوان، وقد ترك أثرًا خالدًا في مسيرة الدعوة وفي نفوس المسلمين بزهده وورعه وصدقه، وكان له من الفضائل ما رفعه إلى منزلة عالية عند الله وعند رسوله.
نسب عبد الله بن مسعود ونشأته
ينحدر هذا الصحابي من بني هذيل، فهو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب، وكنيته أبو عبد الرحمن الهذلي، وقد عاش في مكة وكان حليفًا لبني زهرة، وتميز بطول قصير وجسم خفيف ورجلين دقيقتين حتى إن الصحابة كانوا يتعجبون من هيئته، لكن الحقيقة أن هذا الصحابي لم يكن يقاس بظاهره وإنما بعلمه وإيمانه وإخلاصه، وهو ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع قدره ويثني عليه في أكثر من موقف.
قصة إسلام هذا الصحابي العظيم
كان عبد الله بن مسعود يعمل في رعي الغنم عند عقبة بن أبي معيط، وبينما هو في عمله مر به النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه شاة حائل ليحلب منها اللبن، فاستجاب ابن مسعود لما أراده الرسول، وكانت تلك اللحظة بداية طريق الإيمان له، حيث تأثر بكلام النبي وصدقه فأسلم مباشرة وحسن إسلامه، ومنذ ذلك اليوم أصبح من المقربين من الرسول ومن أوائل الدعاة إلى دين الله.
صحابي ساقاه أثقل من جبل أحد
يروي الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يومًا بينهم فإذا بعبد الله بن مسعود يصعد شجرة ليأتي بسواك، فإذا بالريح تكشف عن ساقيه النحيلتين، فضحك بعض الصحابة من دقة ساقيه، فسألهم النبي عن سبب ضحكهم، فلما أخبروه قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنهما أثقل عند الله من جبل أحد»، وهذا الحديث يوضح لنا أن المقاييس الإلهية تختلف عن المقاييس البشرية، فالقيمة الحقيقية ليست في الهيئة والشكل وإنما في العمل الصالح والإخلاص لله عز وجل، وهذا ما تحقق في حياة هذا الصحابي.
أثر النبي في تربية عبد الله بن مسعود
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على تربية هذا الصحابي وتعليمه، فقد قال ابن مسعود إنه دخل على الرسول فوجده يوعك وعكًا شديدًا، فلما سأله عن شدة مرضه قال له النبي: «إني أوعك كما يوعك رجلان منكم»، فأدرك ابن مسعود أن ذلك دليل على مضاعفة الأجر للنبي، ثم بين الرسول أن كل ما يصيب المسلم من مرض أو أذى يكفر الله به عن سيئاته كما تتحات أوراق الشجر، ومن هذه المواقف تعلم ابن مسعود الصبر واليقين وحسن التوكل على الله.
مواقف خالدة لهذا الصحابي مع الرسول
من المواقف المشهورة أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من ابن مسعود أن يقرأ عليه القرآن، فتعجب ابن مسعود وقال: أأقرأ عليك وعليك أنزل، فأجابه النبي: «إني أحب أن أسمعه من غيري»، فقرأ ابن مسعود من سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}، فبكى النبي تأثرًا، وهذا يدل على المكانة العظيمة التي كان يحتلها هذا الصحابي في قلب رسول الله، كما أن ابن مسعود كان حاضرًا لكثير من المواقف التي شهدها مع المشركين وكان يبلغها للنبي بصدق وأمانة.
مكانة عبد الله بن مسعود عند النبي وأصحابه
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظم هذا الصحابي ويقربه منه، حتى قال له في أحد المواقف: «إنك غلام معلم»، وهو ما جعله واحدًا من أعلم الصحابة بالقرآن وأحكام الدين، وقد أمره النبي غير مرة بالصعود إلى الأشجار لإحضار بعض الأشياء، وفي كل مرة كان الصحابة يضحكون من ساقيه فيرد عليهم الرسول مؤكدًا أن لهما عند الله وزنًا أعظم من جبل أحد، كما أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه شهد له بأنه من خيرة الصحابة وأنه كان أحد أوصياء الرسول وأعوانه المخلصين.
صحابي ضمن المقربين من الرسول
جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنه لم يكن نبي من قبله إلا وقد أعطي سبعة من الرفقاء النجباء، وأنه أعطي أربعة عشر من الصحابة كان من بينهم عبد الله بن مسعود، وهذه شهادة عظيمة لهذا الصحابي تؤكد منزلته الكبيرة بين الصحابة ومكانته الرفيعة في خدمة الدين والدعوة إلى الله.
وفاة الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود
توفي عبد الله بن مسعود في المدينة المنورة ودفن في البقيع سنة 32 هـ، وكان عمره حين وفاته بضعًا وستين سنة، وقد قيل أيضًا إنه توفي سنة 33 هـ، وعندما بلغ خبر وفاته الصحابة حزنوا عليه كثيرًا، حتى إن أبا الدرداء قال عند نعيه: «ما ترك بعده مثله»، في إشارة إلى فراغ كبير تركه هذا الصحابي في حياة الأمة، فقد كان نموذجًا فريدًا في الإيمان والعلم والزهد.
يبقى عبد الله بن مسعود مثالًا خالدًا على أن قيمة الإنسان لا تقاس بجسده أو شكله وإنما بما يحمله من إيمان وعمل صالح، فقد أثبت هذا الصحابي أن الصدق مع الله والإخلاص في العبادة يجعلان للإنسان وزنًا عظيمًا عند الله يوم القيامة، حتى أن ساقيه النحيلتين كانتا في الميزان أثقل من جبل أحد، فليكن في سيرته عبرة للأمة أن تهتم بجوهر الإنسان لا بمظهره، وأن تقتدي بصدق الصحابة في اتباع النبي.