الأحد 15 يونيو 2025 الموافق 19 ذو الحجة 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة

أمير الشعراء في حضرة الفرعون الذهبي.. شوقي ينشد لمقبرة توت عنخ آمون

القارئ نيوز

«أمير الشعراء أحمد شوقي».. مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير، تترقب الأنظار العرض التاريخي الذي سيشهده العالم لواحدة من أعظم كنوز الحضارة المصرية القديمة، وهي المجموعة الكاملة للملك الذهبي «توت عنخ آمون»، الذي ما زال اسمه يثير الدهشة بعد أكثر من 3000 عام. وبين سطور التاريخ وآثار المقابر، يطل صوت أمير الشعراء أحمد شوقي، ممتزجا بالإعجاب والفخر، وقد نظم قصائد تمجد هذا الملك، وتخلّد مقبرته التي فتنت العالم بجمالها وأسرارها.

الشمس.. راوية التاريخ ومنذرة المصير

في مناجاته الشهيرة للشمس، يستهل شوقي حديثه بقوله: «قفي يا أخت يوشع خبرينا.. أحاديث القرون الغابرينا»
فهو يطلب منها أن تروي له ما رأته على مر العصور من مصائر الأمم وسقوطها. 

ويصف الشمس بـ«الهرة التي تأكل بنيها»، فهي تمنح الحياة ثم تلتهمها، وفي ذلك رمزية عميقة للموت والانبعاث الذي يجسده توت عنخ آمون بعد خروجه من القبر.

توت عنخ آمون.. فخر ملوك بني آمون

شوقي لا يرى في توت عنخ آمون مجرد ملك، بل ابنًا للشمس، وأحد ملوك بني آمون العظام، الذين أضاءوا العالم بحضارتهم حين كانت البشرية تئن تحت الظلام والجهل. يقول: «أأمَّ المالكين بني أمون.. ليهنك أنهم نزعوا أمونا»
ويفخر شوقي بأن أثينا وروما أخذت من حضارة مصر نورها الأول، مشيرا إلى أن مصر كانت منارة العالم القديم، والملوك المصريين هم مصدر ذلك الضوء.

الخلود لا ينال بالصدفة

يُشير أمير الشعراء إلى سعي الملوك المصريين للخلود عبر إتقان ما صنعوا، مؤكدا أن الخلود لا يأتي عبثا، بل هو حصيلة همم عظيمة وإرادة خالدة، ففي أبياته:
«إذا عمدوا لمأثرةٍ أعدّوا.. لها الإتقان والخلق المتينا»
وهو بذلك يربط بين عبقرية المصري القديم في البناء، وبين سعيه وراء المجد الأبدي، كما لو أن الآثار تتحدث عن أصحابها، وتنطق بالحضارة المتجذّرة في الصخور.

نقد لشباب الحاضر مقارنة بالأمجاد

ويمتد الحديث عند شوقي ليشمل الشباب المعاصر في زمانه، حيث ينتقدهم لرضاهم بالقول دون العمل، ويأسف على بعدهم عن طموح الأجداد، قائلاً:
«شبابٌ قنّعٌ لا خير فيهم.. وبورك في الشباب الطامحينا»
فهو يرى في شباب اليوم صورة باهتة مقارنة بشباب الملوك الذين خلدوا أنفسهم في التاريخ.

الدفاع عن الملوك.. ورد الظلم عنهم

يعرض شوقي لمَن انتقدوا ملوك مصر القدماء بأنهم جلدوا العمال وسخروهم لبناء الأهرامات والمعابد، ويرد قائلا إن الكمال ليس من شأن البشر، وإن حضارات أخرى معاصرة ارتكبت فظائع مثل سجن الباستيل الفرنسي. يقول:
«فإنا لم نُوَق النقص، حتى.. نطالب بالكمال الأولينا»
وهو بذلك يرفض أن تُحاكم الحضارات القديمة بمعايير عصره، لأن كل عصر له ظروفه وتحدياته.

قبر توت عنخ آمون.. معجزة باقية

حين يتحدث شوقي عن القبر، فهو لا يصف حطاما بل معجزة فنية وتاريخية، يشبه حجارة المقبرة وكأنها مقتطعة من جبل الطور، وكأن رائحة المسك تعبق من ترابها. 

وفي مشهد يجمع بين الجلال والرقة، يكتب: «وقبرا كاد من حسن وطيب.. يضيء حجارة، ويضوع طينا»
ثم يتعجب من حفظ الطعام، والعرش، والكنوز، متسائلًا كيف ظل الملك صابرًا على الجوع الذي لم يكن يتحمّله يومًا، وكيف ظل منتظرًا لقرون أن يُبعث من جديد.

من البعث الرمزي إلى البعث الحقيقي

وفي موقف شاعري مؤثر، يقول شوقي إن توت عنخ آمون قد «بعث» قبل يوم البعث، أي أُخرج من القبر، وهو بعث رمزي يسبق البعث الإلهي الحقيقي: «سللت من الحفائر قبل يوم.. يسل من التراب الهامدينا»
وفي هذه الأبيات استحضار مذهل للبعث، والمفارقة بين بعث الآثار وبعث الأرواح، حيث الجسد لا يشعر بشيء بعد الموت، لكن الخلود في الذكر هو البقاء الحقيقي.

رسالة ختامية من زمن إلى زمن

في نهاية القصيدة، يلتفت شوقي إلى الملك كأنه صديق من زمن بعيد، ويبلّغه أن زمن الحكم المطلق قد ولى، وأن الشعوب اليوم هي من تحكم مصيرها: «زمان الفرد يا فرعون ولى.. ودالت دولة المتجبرينا».
وهو بذلك يربط الماضي بالحاضر، ويضع الملك الذهبي أمام واقع تغيّر، لكنه لا يُنقص من مجده القديم شيئًا.

حوار شعري راق بين زمنين

قصيدة أحمد شوقي في توت عنخ آمون ليست مجرد رثاء لملك من الماضي، بل حوار شعري راق بين زمنين: زمن الحضارة المجيدة، وزمن النهضة. 

في كل بيت، يدمج شوقي الفن بالتاريخ، والدين بالفلسفة، ويجعل من قبر صغير بوابةً واسعة لأسئلة الإنسان عن الحياة، والموت، والخلود.

تم نسخ الرابط