«السنن الرواتب».. مفتاح الأجر العظيم وسر ثبات القلب على الطاعة

السنن الرواتب هي من أعظم ما يُتقرب به إلى الله عز وجل بعد الفرائض، وقد أجمع العلماء على أن المحافظة على السنن من علامات صدق الإيمان، ومن دلائل محبة العبد لربه، وتؤكد النصوص النبوية أن السنن ليست فقط وسيلة لنيل الثواب بل هي أيضًا طريق لبلوغ مقام «محبوبية العبد عند الله»، حيث أن «السنن» كما أوضح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيلة للقرب من الله وزيادة في نِعَمِه وهِباتِه لعباده، وقد ورد في حديث قدسي شريف أخرجه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عن رب العزة جل وعلا: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»، في دلالة واضحة على أن «السنن» والنوافل باب إلى «محبة الله» لا يعلوه باب.
فضل عظيم في المواظبة على السنن الرواتب
السنن الرواتب التي حث عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عددها اثنتا عشرة ركعة في اليوم والليلة، وهي موزعة على الصلوات الخمس بترتيب يجعلها سندًا للفريضة ودرعًا حاميًا لها، إذ يؤدي المسلم أربع ركعات قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر، وكلها ورد الحث عليها في الأحاديث الشريفة، فعن أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة»، وقد رواه الإمام الترمذي وأخرجه أيضًا الإمام مسلم في رواية أخرى تؤكد ذات المعنى، وفي هذا دلالة عظيمة على منزلة «السنن» في ميزان الشريعة.
نافلة الفجر.. ركعتان تعدلان الدنيا وما فيها
من أعظم «السنن» الرواتب منزلة نافلة الفجر، فقد أولاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم اهتمامًا خاصًا، وأخبر في حديث رواه الإمام مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن «ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها»، وقد شرح هذا المعنى عدد من العلماء مثل المباركفوري والنووي وولي الله الدهلوي، مؤكدين أن الدنيا فانية لا بقاء لنعيمها، بينما أجر هاتين الركعتين باقٍ غير زائل، بل فيه من الفضل ما يفوق المال والجاه وكل متاع الحياة الدنيا، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن «السنن» الرواتب ليست مجرد نافلة بل هي ذخر وكنز يدخره العبد لنفسه في الآخرة.
السنن قبل الفريضة.. تهيئة للخشوع وزيادة في الأجر
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحرص على أداء السنن الرواتب قبل الفريضة وبعدها، وقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها في حديث أخرجه الترمذي وابن ماجه أن النبي كان إذا فاتته الأربع ركعات قبل الظهر صلاها بعده، وهذا يدل على أن «السنن» قبل الفريضة لها أهمية بالغة في تهيئة القلب والخشوع واستحضار الوقوف بين يدي الله، ويقول العلامة الشوكاني في كتابه «نيل الأوطار» إن في هذا الحديث دلالة على مشروعية الحفاظ على «السنن» حتى بعد دخول وقت الفريضة، وإن فاتت فإن أداءها لا يُعتبر قضاء بل هو استمرار لوقتها الممتد.
السنن بعد الفريضة.. جبر للنقص ورفع للدرجات
من المعلوم أن الصلاة المفروضة قد يقع فيها النقص أو السهو، وتأتي «السنن» بعد الصلاة لتجبر هذا النقص وتكمل أوجه الخلل، لذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوصي بأداء «السنن» عقب كل فريضة، وهي بمثابة الدرع الواقية التي تحفظ الأجر وتكمل النقص، وقد ورد في الحديث أن أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة هو الصلاة، فإن وُجد فيها نقص قال الله لملائكته: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيُكمل بها ما نقص من الفريضة، ومن هنا تتجلى أهمية المحافظة على «السنن» في جميع الأوقات.
السنن طريق التدرج في مراتب الإيمان
السنن ليست فقط وسيلة لكسب الأجر وإنما هي مدرسة تربية للنفس وتزكية للروح، فهي تغرس في القلب حب الصلاة والتعلق بالوقوف بين يدي الله، وتزيد من تعلق العبد بربه في غير أوقات الفريضة، وكلما واظب الإنسان على «السنن» زادت درجته في سلم القرب من الله، ولذلك قال العلماء إن الاستكثار من «السنن» هو دليل على حب العبد للطاعة ورغبته في الإخلاص والصفاء، وقد جاء في الحديث «إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: إني أحب فلانًا فأحبه»، والمحافظة على «السنن» سبب مباشر في هذا الحب الإلهي.
الحث على أداء السنن في أوقات الكسل والغفلة
من رحمة الله بعباده أن جعل السنن متاحة في كل وقت ما لم يكن وقت كراهة، فإذا فاته وقتها المقرر جاز له قضاؤها كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالمقصود هو الحفاظ على الأداء لا التوقيت، ولذلك فإن التشجيع على «السنن» يجب أن يكون دائمًا، خصوصًا في فترات الفتور والضعف، فهي وسيلة لإحياء القلب وتطهير النفس وتقوية الصلة بالخالق عز وجل.
أثر السنن على سلوك المسلم اليومي
من يحرص على السنن الرواتب يجد أن أثرها يمتد خارج المسجد، فهي تعكس التزامًا داخليًا وانضباطًا خارجيًا، وتؤسس علاقة روحانية بين العبد وربه، وتجعله في حالة دائمة من الطهارة والنقاء، كما أنها تحفظه من الزلل وتعينه على السير في طريق الاستقامة، لذلك فإن الدعوة إلى التمسك بـ«السنن» ينبغي أن تكون محورًا رئيسيًا في خطاب الدعوة والتعليم في المساجد والمجتمعات المسلمة.
السنن هي الجُنة التي يتدرع بها المؤمن لحماية صلاته وفرائضه وهي السر في نيل محبة الله والدرجات العلى في الجنة، وقد أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أهميتها قولًا وفعلًا، وهي دليل الإخلاص وعنوان التوفيق، فالمحافظة على «السنن» ليست تكميلًا للعبادة فقط بل هي جزء أصيل منها وروحها وعمقها، وكل مسلم يسعى لنيل رضا الله يجب أن يجعل «السنن» دأبه وهمه في كل يوم وليلة.