السبت 28 يونيو 2025 الموافق 03 محرم 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

يسري جبر يوضح تفسير حديث «لا حسد إلا في اثنتين» ومعناه الصحيح

دكتور يسري جبر
دكتور يسري جبر

حديث «لا حسد إلا في اثنتين» يفتتح الباب أمام فهم عميق للغريزة البشرية التي تميل إلى مقارنة الذات بالآخرين، ويكشف عن سُبل تهذيب هذه الغريزة وتحويلها إلى طاقة بنّاءة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، وقد تناول هذا الحديث الشريف الدكتور يسري جبر أحد علماء الأزهر الشريف موضحًا دلالاته وتأثيره النفسي والتربوي خلال تصريحاته التلفزيونية الأخيرة.

الغريزة البشرية وحقيقة «الحسد»

حديث النبي الكريم الذي يقول فيه «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلمها الناس» لا ينكر وجود الحسد كغريزة إنسانية بل يوجّهها نحو ما يعود بالنفع والصلاح، والدكتور يسري جبر أكد في هذا السياق أن النفس البشرية مفطورة على النظر إلى ما يملكه الآخرون، فالحسد شعور داخلي يولد منذ الصغر ويتجلى في مواقف بسيطة قد يظنها البعض عابرة، لكنه أشار إلى أن هذه المشاعر تتطور مع الزمن وترافق الإنسان في مراحل حياته المختلفة.

وذكر الدكتور جبر مثالًا واقعيًا من حياته الشخصية حيث قال إنه كان يوزع الحلوى على الأطفال، وكل طفل يأخذ قطعة لكنه لا يلتفت إلى ما في يده بل ينظر إلى يد زميله، فيتمنى لو كانت حصته مثل حصته أو أفضل، وهذا مثال حيّ على أن الإنسان بطبيعته لا يكتفي بما لديه بل يقارن نفسه بالآخرين دائمًا.

من «المصاصة» إلى المناصب والبيوت

حديث المقارنة والرغبة في امتلاك ما عند الغير لا يتوقف عند الطفولة بل يكبر مع الإنسان ويتخذ أشكالًا مختلفة، إذ يتحول الحسد من مصاصة حلوى إلى غيرة من سيارة حديثة أو بيت واسع أو زوجة جميلة أو منصب مرموق، وكل هذه الصور تدل على عمق الغريزة المرتبطة بعدم الرضا.

الدكتور يسري جبر وضّح أن الإسلام لم يلغِ هذه الطبيعة بل وجّهها، ومن هنا جاءت عظمة حديث «لا حسد إلا في اثنتين»، لأن هذا التوجيه يمنح الإنسان القدرة على استثمار ما يشعر به من رغبة في التميز والتفوق في ما يعود بالنفع الديني والدنيوي، وليس في ما يفسد قلبه أو يضره أو يضر غيره.

معنى «الحسد المحمود» في ضوء الحديث

حديث النبي صلى الله عليه وسلم استخدم لفظ الحسد ولكن المقصود الحقيقي هو الغبطة، فالغبطة كما شرحها الدكتور جبر هي التمني بأن يكون للإنسان مثل ما للغير من النعم ولكن دون تمني زوال النعمة عنه، وهذا النوع من التمني محمود بل ومطلوب لأنه يثير في النفس حماسة إيجابية للتطور.

ومن الأمثلة التي جاء بها الحديث أن يحسد المسلم رجلًا آتاه الله مالًا فأنفقه في الحق، أو رجلًا آتاه الله العلم فنشره بين الناس، فهذا النوع من الحسد إنما يدل على طهارة القلب لا على مرضه، لأنه يسعى لما عند الغير من خير ولا يتمنى زواله عنه.

الحسد المذموم وضرره على النفس

حديث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى يحمل تحذيرًا ضمنيًا من الحسد المذموم، وهو الحسد الذي يُمنى فيه الإنسان بزوال النعمة عن غيره، ويُصاب به صاحب القلب المريض الذي لا يفرح لفرح الناس ولا يحب الخير لهم، بل يتمنى الضرر لغيره حتى يشعر بالرضا الداخلي، وهو ما وصفه الدكتور يسري جبر بأنه شعور قاتل يدمّر صاحبه قبل أن يؤثر في من يُحسَد.

ويضيف الدكتور جبر أن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد الناس إلى طريقة تطهير قلوبهم من هذه الآفة، وأوصاهم بالدعاء قائلًا «يا رب أعطني كما أعطيت وبارك له فيما في يده ولا تجعل في قلبي غلًا لأحد من عبادك»، وهذا الدعاء هو مفتاح الخروج من دائرة الحسد ووسيلة لصحة القلب والرضا.

توجيه الغرائز الفطرية نحو الطاعة

حديث «لا حسد إلا في اثنتين» يكشف بوضوح أن الغرائز ليست شرًا في ذاتها بل يمكن أن تكون وسيلة لطاعة الله، فكما قال الدكتور يسري جبر فإن الغرائز التي زرعها الله فينا مثل حب المال أو الميل للجنس الآخر أو الرغبة في التميز يمكن أن تُستغل في طاعة الله أو تُترك لتقود إلى المعصية.

لذلك فإن الهداية لا تأتي بإلغاء هذه الغرائز بل بضبطها وتوجيهها كما أمر الله، وهذا ما يفعله الدين حين يوجّه الطاقات نحو الصدقة والعطاء أو نشر العلم أو النفع العام بدلًا من الأنانية والحقد والحسد.

التربية على القيم من خلال الحديث

حديث النبي صلى الله عليه وسلم «لا حسد إلا في اثنتين» ليس فقط توجيهًا أخلاقيًا بل هو مبدأ تربوي يجب أن يُغرس في الأطفال منذ الصغر، فبدلًا من معاقبة الطفل إذا غار من زميله يجب تعليمه أن يتمنى الخير لغيره ويطلب مثله لنفسه، فهذه التربية تنشئ مجتمعًا قائمًا على المحبة والتنافس الشريف لا على الكراهية والتباغض.

والمدارس والبيوت والمؤسسات يجب أن تعتمد على هذا المفهوم، فالتربية الدينية لا تنفصل عن الواقع بل تنطلق منه لتُهذّب الإنسان وتُنمّي فيه القيم الفاضلة.

آثار الحديث في بناء مجتمع سليم

حديث «لا حسد إلا في اثنتين» يُعد من الأحاديث التي تزرع الأمل في النفوس وتدعو إلى العمل والاجتهاد والتفاؤل، لأن الحسد إذا تم ضبطه وتحويله إلى غبطة صار دافعًا للإنجاز وتحقيق الأهداف، أما إذا تُرك دون ضبط صار حطبًا يحرق صاحبه ويُدمّر علاقاته.

والمجتمع السليم هو الذي يشيع فيه هذا الفهم الراقي للحسد، بحيث ينظر الإنسان إلى نجاح الآخرين بعين التقدير ويجعل ذلك محفزًا له لا سببًا للتقاعس أو الكراهية.

«حديث» نبوي واحد يُغير نظرة الإنسان للحياة

حديث النبي صلى الله عليه وسلم «لا حسد إلا في اثنتين» يحمل بين كلماته كنوزًا من الحكمة، فهو لا يُجرّم شعورًا بشريًا طبيعيًا بل يضع له إطارًا ساميًا يجعله طريقًا للطاعة والارتقاء، والدكتور يسري جبر أكّد أن الحديث يجب أن يكون قاعدة في حياة كل مسلم لأنه يُغيّر نظرته لنفسه وللآخرين ويهذب غريزته ويعينه على الرضا والعمل والاجتهاد.

تم نسخ الرابط