الإثنين 14 يوليو 2025 الموافق 19 محرم 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة

الذكرى الـ171 لرحيل الوالي عباس حلمي الأول..حاكم أثار الجدل بين الرجعية والإصلاح

عباس حلمي الأول
عباس حلمي الأول

تحل اليوم، الأحد، الذكرى الـ171 على رحيل الوالي عباس حلمي الأول، الذي تولى حكم مصر ما بين عامي 1848 و1854، بوصفه أحد أفراد الأسرة العلوية التي حكمت مصر تحت السيادة الاسمية للدولة العثمانية. 

ويعد عهده من أكثر الفترات إثارة للجدل في التاريخ الحديث، إذ انقسم المؤرخون حول تقييمه ما بين من اعتبره حاكمًا رجعيًا جمد مسيرة التحديث التي بدأها جده محمد علي باشا، ومن رآه والياً حذِرًا سعى لترشيد الإنفاق وإصلاح بعض ما أفسده السابقون.

عباس حلمي الأول.. نشأته وصعوده إلى الحكم

ولد عباس حلمي الأول عام 1813، وهو ابن الأمير طوسون بن محمد علي باشا، تولى الحكم بعد وفاة عمه إبراهيم باشا عام 1848، وكان ينتمي إلى الجيل الثاني من الأسرة العلوية، لكن على خلاف جده محمد علي، كان عباس أكثر ميلًا للعزلة والاحتياط، وأقل رغبة في الانفتاح على الغرب أو الاستمرار في مشروعات التحديث الطموحة.

عرف عن عباس حلمي ميله إلى البساطة، وكرهه للتدخلات الأجنبية، وهو ما جعله يعيد النظر في كثير من المشروعات التي بدأها محمد علي، خاصة تلك التي استلزمت نفقات باهظة.

إصلاحات مالية وإدارية.. أم وقف لعجلة النهضة؟

خلال فترة حكمه، قام عباس حلمي الأول بإغلاق عدد من المؤسسات التعليمية التي أسسها جده، ومنها مدرسة الألسن الشهيرة، والتي كانت ركيزة لحركة الترجمة والنهضة العلمية والثقافية في مصر، كما قلّص عدد البعثات التعليمية للخارج، مما دفع كثيرين إلى اتهامه بأنه أوقف مسيرة التقدم والحداثة التي بدأت مع محمد علي.

في المقابل، يرى مؤرخون آخرون أن قراراته تلك كانت تهدف إلى تخفيف العبء المالي عن الدولة، خصوصًا في ظل تراكم الديون والتوسع المفرط في الإنفاق على مشروعات لم تدرّ عائدًا حقيقيًا على الدولة. 

وبهذا المنطق، فإن عباس حلمي تصرف كإداري حذِر يسعى لتحقيق التوازن المالي والاقتصادي.

إعادة تنظيم الإدارة وتوزيع الأراضي

أحد الجوانب الإيجابية في عهده كانت إعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة، حيث قام بتبسيط إجراءات الإدارة المركزية والمحلية، وسعى لتقليص البيروقراطية التي نمت بشكل متزايد في عهد محمد علي. 

كما أعاد النظر في توزيع الأراضي الزراعية، بما أثر على هيكل الملكية الزراعية في البلاد.

وفي الوقت ذاته، تم تقليص الاهتمام الرسمي بـ«الوقائع المصرية»، الجريدة الرسمية للدولة، حيث أصبحت توزع فقط على كبار رجال الدولة من الأتراك، مما أثر على حركة التنوير والمعرفة التي كانت قد بدأت تجد موطئ قدم في مصر.

سياساته تجاه التعليم.. تقليص لا إلغاء كامل

في ملف التعليم، لا يمكن تجاهل أن عباس حلمي لم يلغ التعليم تمامًا، كما يصوره البعض، بل اهتم بالتعليم العالي، وحرص على تطوير بعض المدارس القائمة بالفعل، لكن ما تغيّر كان حجم الاستثمار في التعليم مقارنة بما قام به جده، وهو ما جعل الكثير من المدارس تُغلق تدريجيًا بسبب نقص الدعم.

وفي مجال الصناعة، قلص عباس حلمي نشاط بعض المشروعات الصناعية الكبرى التي أسسها محمد علي، وركز بدلا من ذلك على دعم الزراعة وتوسيع الرقعة الزراعية.

علاقته بالقوى الخارجية

كان لعباس حلمي موقف واضح من القوى الأجنبية، خاصة بريطانيا وفرنسا، إذ كان يرى أن تدخلهم في شؤون مصر يتجاوز الحدود المسموح بها، ولذلك اتخذ عددًا من الإجراءات للحد من نفوذهم داخل البلاد، سواء من خلال تقليص البعثات أو تضييق الخناق على الامتيازات الأجنبية.

ويقول بعض المؤرخين إن عداء عباس حلمي للنفوذ الأجنبي كان سببًا في بعض القرارات المفاجئة التي اتخذها، ومنها رفضه الحاسم لفكرة شق قناة السويس، التي كانت مطروحة آنذاك، بسبب مخاوفه من أن تكون بوابة لاحتلال محتمل.

نهاية العهد ومقتله الغامض

انتهى حكم عباس حلمي الأول بشكل مفاجئ في يوليو 1854، عندما تم اغتياله داخل قصره في بنها في ظروف غامضة لا تزال مثار جدل حتى اليوم.

 وقد خلفه في الحكم ابن عمه سعيد باشا، الذي أعاد مصر إلى طريق الانفتاح على الغرب من جديد.

إرث مثير للجدل

بعد مرور 171 عامًا على رحيله، لا يزال اسم عباس حلمي الأول يثير الجدل بين من يرى فيه رمزًا للتراجع والانغلاق، ومن يراه إداريًا إصلاحيا سعى لإنقاذ مصر من التوسع العشوائي الذي أنهك مواردها. 

وبين هذا وذاك، يبقى عهده علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، يحتاج إلى قراءة متأنية تفهم سياق الزمن وتحلل الملابسات بعمق بعيد عن الأحكام المسبقة.

تم نسخ الرابط