الخميس 17 يوليو 2025 الموافق 22 محرم 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

لم تكن للغرام.. كيف استخدم اليونانيون القبلة من الشفاه لتحية الأصدقاء؟

 اليونان القديمة
اليونان القديمة

لم تكن القبلة في اليونان القديمة تنظر إليها كفعل رومانسي أو حميمي كما هو الحال في الزمن المعاصر، بل كانت تعبيرًا عن الاحترام والمودة، وأداة للتواصل الاجتماعي، لها قواعدها الدقيقة التي تنظم من يقبّل من، وفي أي موضع توضع القبلة على الجسد.

في المجتمع اليوناني القديم، لم تكن هناك حساسية مفرطة تجاه القبلات، إذ اعتُبرت شكلاً من أشكال التحية، تمامًا كما نستخدم المصافحة في أيامنا هذه، وتعددت مواضعها بين الشفاه واليد والخد، وفقًا لقواعد اجتماعية صارمة تُراعي الفروق في المكانة والعلاقة بين الطرفين.

القبلة... تعبير عن المودة لا الغرام

رغم أن القبلة قد ترتبط في عصرنا بالعلاقات الرومانسية، إلا أن الإغريق القدماء استخدموها في سياقات اجتماعية وإنسانية بعيدة كل البعد عن العاطفة أو الغزل. 

في ملحمتي هوميروس الشهيرتين «الإلياذة» و«الأوديسة»، ظهرت القبلات كوسيلة لتأكيد روابط المودة أو التعبير عن حزن عميق أو لقاء بعد غياب طويل، سواء بين الأصدقاء أو الأقارب أو حتى الآباء والأبناء.

وفي كثير من الأعمال الأدبية والفنية التي خلّفها الإغريق، نجد تصويرًا للقبلة بوصفها لفتة اجتماعية مرموقة، لها دلالات احترام ووفاء. واعتاد الرجال المقربون تقبيل بعضهم في مواقف خاصة، وكذلك الآباء كانوا يقبّلون أبناءهم تعبيرًا عن المحبة.

القبلة عند الفرس بعيون إغريقية

وفي سرد لافت للمؤرخ الإغريقي هيرودوت، الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، يشير إلى أن التقبيل كان سائدًا أيضًا لدى الفرس الأخمينيين، ويُستخدم لتحية تعكس التسلسل الطبقي بدقة.

بحسب هيرودوت، إذا التقى رجلان فارسيان متساويان في المرتبة، فإنهما يتبادلان قبلة على الشفاه دون كلمات. 

أما إذا كان أحدهما أعلى مرتبة من الآخر بفارق بسيط، فتكون القبلة على الخد. أما إن كان الفرق في المرتبة كبيرًا، فإن صاحب المرتبة الأدنى ينحني احترامًا دون تقبيل.

هذا التوصيف يوضح كيف كانت القبلة وسيلة لإبراز الاحترام الاجتماعي والتدرج الطبقي، لا علاقة لها بالمشاعر الشخصية أو العاطفية.

قبلة المرأة.. نظرة دونية في الأماكن العامة

رغم القبول العام للقبلة في السياقات الاجتماعية، فإنها كانت تخضع لمعايير صارمة عند النساء، خاصة إذا تمت في أماكن عامة.

 ففي العُرف اليوناني القديم، إذا بادرت امرأة بتقبيل رجل علنًا، فقد تتهم بالفجور أو الانحلال. كانت القبلة في المجال العام تُحمّل بمعانٍ سلبية إن جاءت من المرأة، على عكس الرجال الذين وُضع لهم حيز أوسع من الحرية في التعبير.

المصافحة.. التحية الرسمية المفضلة

وعلى الرغم من رمزية القبلة، فإن المصافحة باليد كانت التحية الأكثر شيوعًا في اليونان القديمة، وظلت لقرون طويلة الطريقة الرسمية للتواصل بين المتساوين في المكانة. 

يعود أقدم توثيق للمصافحة إلى تمثال جنائزي قديم وُجد على قبر «أجاثون وسوسيكراتس»، يصور شخصين يتصافحان، في مشهد يوحي بالوفاء والتكافؤ.

كذلك، أشارت ملحمة الإلياذة إلى المصافحة عدة مرات، بوصفها وسيلة للتعبير عن الاتفاق، أو كعلامة على الحزن والتعزية، أو دلالة على الثقة المتبادلة بين طرفين.

وكان يُنظر إلى المصافحة على أنها مؤشر واضح على التساوي بين المتصافحين، إذ لا يتصافح الإنسان مع من هو دونه، ولا الإله مع بشر، بل كان الأمر محصورًا بين المتكافئين. ولذلك، شاعت المصافحة بين المحاربين والرياضيين كنوع من الاعتراف بالاحترام المتبادل.

تحية بطابع حضاري

وبينما تميل التحيات في ثقافات أخرى إلى الانحناء أو تقبيل اليد أو الركوع، فإن اليونانيين القدماء اعتبروا أن المصافحة والقبلة على الخد أو الشفاه، وسيلتان حضاريتان تنمّان عن تكافؤ واحترام متبادل.

وفي الوقت الذي كان فيه البعض يرى في التقبيل الحميمي انتهاكًا للأعراف، كانت التحية بالأيدي وسيلة لتوثيق العهود والتعهدات بين الأشخاص، بل وحتى بين الشعوب، إذ جُسّدت في عدد من النقوش والتماثيل والمنحوتات التي بقيت شاهدة على عراقة هذه الثقافة وسلوكها الاجتماعي.

وهكذا، تكشف لنا دراسة سلوكيات التحية في اليونان القديمة عن أبعاد عميقة في العلاقات الإنسانية، وكيف كانت للقبلة والمصافحة معان أكبر من مجرد تلامس، بل كانت مرآة للمكانة الاجتماعية، ووسيلة للتعبير عن الحب والاحترام والتقدير.

تم نسخ الرابط