أضرار نفسية لا تتوقعها.. لا تمنح طفلك «موبايل» قبل هذا العمر

«موبايل» الطفل أصبح اليوم جزءًا من النقاشات التربوية اليومية في كل بيت تقريبًا، حيث يتسابق الأهالي لتلبية رغبات أطفالهم بالحصول على «موبايل» خاص في سن مبكرة، رغم التحذيرات المتكررة من خبراء علم النفس والتربية، إلا أن هذا السلوك قد يكون له «أضرار نفسية» عميقة يصعب علاجها لاحقًا، فقد حذّرت دراسة جديدة من منح الطفل «موبايل» قبل سن 13 سنة مؤكدة أنه يؤدي إلى تغيرات سلبية على الصحة النفسية والسلوكية للطفل.
سن «الموبايل» وخطورة التوقيت
كثير من الآباء يمنحون أبناءهم «موبايل» قبل دخولهم مرحلة المراهقة اعتقادًا منهم أنه مجرد وسيلة للتسلية أو التعلم أو التواصل، لكن الحقيقة أن «الموبايل» في هذا السن الصغير يتعدى كونه أداة إلكترونية عادية ليصبح مكونًا رئيسيًا من البيئة اليومية التي تؤثر في تكوين شخصية الطفل ونظرته للعالم، ومع غياب الرقابة الدقيقة أو التنظيم الزمني لاستخدام الهاتف يبدأ الطفل في الاعتماد على «الموبايل» بدلًا من التفاعل مع من حوله مما يضعف من مهاراته الاجتماعية تدريجيًا.
تغيرات في السلوك والعاطفة
تشير الدراسات النفسية إلى أن منح الطفل «موبايل» مبكرًا يمكن أن يؤدي إلى ضعف في «التحكم الانفعالي» وظهور سلوكيات «عدوانية» أو «انعزالية» بسبب المحتوى الذي يشاهده الطفل أو طبيعة التطبيقات التي يستخدمها، كما أن استخدام «الموبايل» بشكل مفرط يقلل من الوقت الذي يحتاجه الطفل للنوم أو اللعب أو التواصل الأسري، وهي عوامل تؤدي إلى تراكمات تؤثر على استقراره النفسي، ويجد الكثير من الأهالي أن أطفالهم باتوا أكثر توترًا وأقل قدرة على التركيز منذ اقتنائهم أول «موبايل».
تراجع الأداء الدراسي وضعف الانتباه
من أهم المشكلات التي قد تنتج عن منح الطفل «موبايل» في سن مبكرة هي التأثير المباشر على مستوى الانتباه والتحصيل الدراسي، حيث يصبح ذهن الطفل منشغلًا بالألعاب أو الرسائل أو الفيديوهات التي يتلقاها على الهاتف ما يضعف من قدرته على «التركيز» داخل الفصل أو أثناء المذاكرة، كما تؤكد الأبحاث أن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية مرتبط بانخفاض مستوى الذاكرة قصيرة المدى لدى الأطفال مما يجعل الاحتفاظ بالمعلومات وتذكرها أكثر صعوبة، هذا كله يؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل سواء في التحصيل العلمي أو في فهم المهارات الدراسية.
مشكلات في التقدير الذاتي والصورة الشخصية
استخدام الطفل لـ«موبايل» يمكن أن يجعله عرضة لمقارنات دائمة مع أقرانه خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل صورًا مثالية ومضللة أحيانًا، هذا الأمر قد يؤدي إلى مشاكل في «تقدير الذات» والشعور بالدونية، فالطفل يبدأ في مقارنة نفسه بمن يظهرون على الشاشة دون إدراك أن هذه الصور مفبركة أو منتقاة بعناية، كما أن التعرض للتنمر الرقمي يعد من المخاطر الحقيقية التي قد تصيب الطفل في سن صغيرة دون أن يمتلك أدوات الدفاع أو الدعم النفسي للتعامل معها.
اضطرابات النوم وأضرار جسدية
وجود «موبايل» في غرفة الطفل ليلاً يعرضه لاضطرابات في النوم بسبب الإشعاعات المنبعثة من الشاشة أو الإشعارات المتكررة التي تشد انتباهه، كما أن البقاء لفترات طويلة أمام الهاتف يؤثر على النظر ويسبب إجهادًا بصريًا حادًا، ولا تتوقف الأضرار عند هذا الحد بل تمتد إلى الرقبة والعمود الفقري نتيجة الجلوس الخاطئ لفترات طويلة دون حركة، مما قد يؤدي إلى مشكلات جسدية ترافق الطفل سنوات طويلة.
ضعف التواصل العائلي وتفكك الروابط
الطفل الذي يقضي معظم وقته على «موبايل» يبتعد تدريجيًا عن أسرته وينعزل عن المحيط الأسري الطبيعي الذي يفترض أن يشكل ملاذه العاطفي الآمن، حيث تشير تقارير نفسية إلى أن الأطفال الذين يستخدمون «الموبايل» بمعدلات مرتفعة يميلون إلى قضاء وقت أقل في المحادثات العائلية والأنشطة المشتركة، هذا الانفصال العاطفي قد يؤسس لنمط حياة مستقبلي يفتقر إلى «الحميمية الأسرية» ويؤثر على قدرته على بناء علاقات متوازنة مع الآخرين.
ما هو السن المناسب؟
وفقًا لتوصيات الجمعية الأمريكية لطب الأطفال فإن العمر الأنسب لمنح الطفل «موبايل» يتراوح ما بين 13 إلى 16 سنة بشرط أن يكون ذلك مصحوبًا بضوابط واضحة تشمل المدة الزمنية المسموح بها للاستخدام وطبيعة المحتوى المسموح بمتابعته مع تفعيل الرقابة الأبوية المستمرة وتقديم نماذج إيجابية في استخدام التكنولوجيا داخل الأسرة، فالمسألة ليست في امتلاك الهاتف بحد ذاته بل في السياق الذي يتم فيه ذلك.
كيف تحمي طفلك من أضرار «الموبايل»؟
أفضل ما يمكن للآباء فعله هو تأخير سن امتلاك «موبايل» لأطول فترة ممكنة وتعويض ذلك ببدائل تعليمية وترفيهية أكثر تفاعلًا، كما يُنصح بمشاركة الطفل في وضع قواعد استخدام الهاتف بمجرد منحه إياه، مع تشجيعه على الأنشطة الحركية والهوايات الجماعية التي تنمي قدراته وتبني شخصيته بعيدًا عن العالم الافتراضي، ومن المهم التحدث إلى الطفل باستمرار حول خطورة بعض التطبيقات ومساعدته على التمييز بين المفيد والضار في هذا المجال.
في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا بشكل يفوق الخيال يبقى «الموبايل» سلاحًا ذا حدين، فإن تم تقديمه للطفل في الوقت المناسب وبالشكل السليم يمكن أن يكون أداة مفيدة، أما إن تم منحه له بلا ضوابط وفي سن مبكرة فإنه يتحول إلى باب واسع للأذى النفسي والاجتماعي، لذا فإن مسؤولية الأهل ليست فقط في الشراء وإنما في التوجيه والمتابعة والحوار المفتوح الذي يبني وعي الطفل ويحميه من الانزلاق في عوالم افتراضية قد تؤذيه أكثر مما تنفعه.