الأربعاء 23 يوليو 2025 الموافق 28 محرم 1447
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

في ذكراها الـ73.. كيف غيرت ثورة 23 يوليو ملامح مصر سياسيا واقتصاديا؟

ثورة 23 يولو
ثورة 23 يولو

يحتفل المصريون اليوم، بالذكرى الثالثة والسبعين لثورة 23 يوليو 1952، تلك الثورة التي أعادت رسم خريطة الدولة المصرية، وأحدثت تحوّلًا جذريًا في بنية الحكم، والمجتمع، والاقتصاد، والثقافة، والسياسة الخارجية.

 فقد كانت لحظة فاصلة بين عهد الملكية والحكم العسكري-المدني، بين التبعية والاستقلال، بين اليأس والطموح.

خلفية الثورة.. الغضب الشعبي يشتعل

اندلعت الثورة بقيادة تنظيم «الضباط الأحرار»، بعد أن وصلت البلاد إلى مرحلة من الاحتقان الشديد نتيجة فساد النظام الملكي، وهزيمة الجيش في حرب 1948.

 تلك الهزيمة كشفت بجلاء أن الخلل لم يكن عسكريًا فقط، بل سياسيًا واقتصاديًا، ما دفع الضباط الشباب إلى تبني مشروع إنقاذ وطني.

قاد جمال عبد الناصر التنظيم، ونجح في فجر 23 يوليو في الاستيلاء على مفاصل الدولة، بينما أذاع الرئيس الراحل محمد أنور السادات البيان الأول للثورة، معلنًا بداية عهد جديد. وفي 26 يوليو 1952، أُجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لنجله الأمير أحمد فؤاد، وغادر البلاد.

ثورة التغيير الاجتماعي والاقتصادي

من أولى ثمار الثورة، القضاء على الإقطاع، وتأميم الممتلكات الكبرى، وتطبيق قوانين الإصلاح الزراعي، ما أدى إلى تقليص الفجوة بين الطبقات. 

كما جرى استصلاح آلاف الأفدنة في مشروعي مديرية التحرير والوادي الجديد، مما وسع الرقعة الزراعية بشكل غير مسبوق.

ثم جاء مشروع السد العالي، الذي أصبح أيقونة النهضة المصرية، وأحد أعظم الإنجازات القومية التي ضمنت لمصر مياه النيل، والطاقة الكهربائية، وتنظيم الري، لتنتقل مصر بعدها إلى مرحلة التصنيع الثقيل.

ثورة ثقافية وإعلامية شاملة

لم تكن ثورة يوليو سياسية فقط، بل دشّنت نهضة ثقافية كبرى. فتم إنشاء وزارة الثقافة والإرشاد القومي عام 1958، والتي رعت مجالات الأدب والمسرح والترجمة والفنون الشعبية، بالإضافة إلى إطلاق التلفزيون المصري عام 1960، ليكون أداة تثقيف وتوعية.

ولعبت الصحف المملوكة للدولة مثل جريدة الجمهورية ومجلة التحرير دورًا رئيسيًا في نشر فكر الثورة، كما أنشأت الدولة وكالة أنباء الشرق الأوسط لتكون أول وكالة إقليمية تخاطب الداخل والخارج.

قناة السويس.. قرار السيادة والشجاعة

في عام 1956، اتخذ جمال عبد الناصر قرارًا مصيريًا بتأميم قناة السويس، وهو القرار الذي واجه عدوانًا ثلاثيًا من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لكنه رسّخ مفهوم الاستقلال الوطني، وأعاد الكرامة إلى مصر بعد عقود من التبعية.

كما تم توقيع اتفاقية الجلاء في نفس العام، لينتهي بذلك الوجود البريطاني على الأراضي المصرية بعد أكثر من 70 عامًا من الاحتلال.

البعد العربي والدولي للثورة

امتد تأثير الثورة خارج حدود مصر. فقد دعمت الثورة القضية الفلسطينية سياسيًا ودبلوماسيًا في المحافل الدولية، وكانت من أوائل الدول التي دعت إلى تأسيس كيان فلسطيني مستقل، تمثّل لاحقًا في منظمة التحرير الفلسطينية التي حصلت على اعتراف الأمم المتحدة عام 1974.

دعم حركات التحرر العربي.. الجزائر نموذجًا

كانت الثورة الجزائرية إحدى أكثر الثورات التي حظيت بدعم مباشر من ثورة يوليو. 

فوفرت مصر التدريب والسلاح والدعم الإعلامي للمجاهدين الجزائريين، وكانت إذاعة «صوت العرب» تبث يوميًا بيانات الثورة الجزائرية. 

واستضافت القاهرة أول حكومة جزائرية في المنفى عام 1958، لتصبح مصر حاضنة للثورات العربية، حتى نالت الجزائر استقلالها عام 1962.

إرث مستمر.. ومراجعات تاريخية

اليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة عقود، ما زالت ثورة يوليو محل جدل ونقاش. البعض يعتبرها الخطوة الأولى نحو دولة العدالة الاجتماعية والمجانية والتعليم للجميع، بينما يرى آخرون أنها فتحت الباب لحكم العسكر وهيمنة السلطة المركزية.

لكن المؤكد أن الثورة نجحت في إعادة تعريف الدولة المصرية، وفي إرساء قواعد الاستقلال الوطني، والتصنيع، والمجانية، والثقافة الجماهيرية، وخلقت رموزًا ما زالت حيّة في الذاكرة الجمعية للمصريين والعرب.

ثورة 23 يوليو ليست مجرد تاريخ نحتفل به، بل تجربة ممتدة، لها ما لها، وعليها ما عليها. لكنها ستظل علامة فارقة في تاريخ مصر، ونقطة تحوّل أثرت في شعوب وأجيال، ولا تزال تبعث برسالة واضحة: أن التغيير ممكن حين تتوفر الإرادة الوطنية.

تم نسخ الرابط