استشاري تغذية علاجية.. «الطعام الصحي» بديل طبيعي لمضادات الاكتئاب

الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية انتشارًا في العالم، وقد أصبح يشكل تحديًا حقيقيًا أمام الأطباء والمتخصصين في الصحة النفسية والجسدية، حيث يعاني ملايين الأشخاص من أعراضه التي تتراوح بين الحزن المستمر وفقدان الشغف بالحياة وصولًا إلى الأرق واضطراب الشهية والتفكير السلبي، إلا أن خبراء التغذية العلاجية بدأوا في تسليط الضوء على دور «الطعام الصحي» كوسيلة طبيعية يمكن أن تساعد في التخفيف من هذه الأعراض، بل قد تكون بديلًا عن مضادات الاكتئاب في بعض الحالات، وذلك وفق ما أكده استشاري تغذية علاجية الذي أشار إلى أن اتباع «النظام الغذائي السليم» ليس مجرد أسلوب حياة صحي بل يمكن أن يكون علاجًا داعمًا ومكملًا.
التغذية العلاجية ودورها في تحسين المزاج
يرى استشاري التغذية أن الإنسان إذا التزم بتناول أطعمة غنية بالفيتامينات والمعادن والأحماض الدهنية الأساسية، فإنه يمنح جسمه وعقله التوازن المطلوب، وهذا التوازن ينعكس بشكل مباشر على الحالة النفسية، فهناك علاقة وثيقة بين نقص بعض العناصر الغذائية مثل «الأوميجا 3» أو «فيتامين د» أو «المغنيسيوم» وبين زيادة احتمالات الإصابة بالاكتئاب، ومن هنا تظهر أهمية التركيز على الطعام الصحي كوسيلة وقائية، حيث أن الأطعمة الطبيعية مثل الأسماك الدهنية والمكسرات والخضروات الورقية والفواكه الطازجة قد تعزز من إنتاج الناقلات العصبية المسؤولة عن الشعور بالراحة والسعادة.
الطعام الصحي كبديل لمضادات الاكتئاب
أوضح الاستشاري أن «الطعام الصحي» ليس مجرد وسيلة مساعدة وإنما قد يغني بعض الحالات عن الحاجة إلى مضادات الاكتئاب، خاصة إذا كان الاكتئاب في مراحله البسيطة أو المتوسطة، فالتغذية الغنية بمضادات الأكسدة والدهون الصحية تساعد الدماغ على محاربة الالتهابات وتحسين كفاءة الخلايا العصبية، وبالتالي يشعر المريض بتحسن في حالته المزاجية، وقد أثبتت العديد من الدراسات العلمية أن الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية تعتمد على الحبوب الكاملة والخضروات والفواكه يقل لديهم خطر الإصابة بالاكتئاب مقارنة بغيرهم.
النظام الغذائي المتوازن ودوره الوقائي
يشير استشاري التغذية العلاجية إلى أن النظام الغذائي المتوازن لا يقتصر على علاج الاكتئاب فحسب، بل يعمل أيضًا على الوقاية منه، حيث إن التوازن بين الكربوهيدرات المعقدة والبروتينات الصحية والدهون المفيدة يضمن استقرار مستوى السكر في الدم، وهو ما يقلل من نوبات القلق والتوتر المفاجئة التي قد تؤدي بدورها إلى تفاقم الاكتئاب، كما أن تناول كميات كافية من الماء والابتعاد عن المنبهات والكافيين المفرط لهما دور أساسي في تحسين النوم وتقليل الإجهاد.
العلاقة بين الأمعاء والصحة النفسية
من الجوانب المهمة التي أشار إليها استشاري التغذية هو وجود علاقة مباشرة بين صحة الأمعاء وصحة الدماغ، فهناك ما يعرف بمحور الأمعاء والدماغ، وهو الرابط الذي يوضح كيف أن البكتيريا النافعة الموجودة في الجهاز الهضمي لها تأثير قوي على الحالة النفسية للإنسان، فإذا اختل هذا التوازن قد تظهر أعراض القلق والاكتئاب بشكل أوضح، لذلك فإن تناول الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك مثل الزبادي الطبيعي والمخللات الصحية والأطعمة المخمرة يساهم في تعزيز صحة الأمعاء وبالتالي تقليل احتمالية الإصابة بالاكتئاب.
الرياضة ونمط الحياة مع التغذية
أكد الاستشاري أن الغذاء وحده لا يكفي لمواجهة الاكتئاب بل لا بد من الدمج بينه وبين أسلوب حياة صحي يتضمن ممارسة الرياضة بانتظام والنوم الكافي والتعرض لأشعة الشمس بشكل معتدل، فهذه العوامل مجتمعة تعزز من إنتاج هرمون «السيروتونين» الذي يعرف بهرمون السعادة، وبالتالي تتضاعف فرص التحسن النفسي والجسدي، كما أن النشاط البدني يساعد على التخلص من التوتر ويزيد من إفراز الإندورفينات التي تعمل كمضادات اكتئاب طبيعية.
الطعام الصحي والوقاية من الاعتماد على الأدوية
يشدد استشاري التغذية العلاجية على أن الهدف ليس الاستغناء الكامل عن مضادات الاكتئاب في جميع الحالات، فهناك حالات تحتاج إلى إشراف طبي وعلاج دوائي منتظم، ولكن الاعتماد على «الطعام الصحي» قد يقلل من شدة الأعراض ويخفف من الحاجة إلى جرعات كبيرة من الأدوية، كما أنه يساعد على تقليل الآثار الجانبية التي قد تصاحب العلاج الدوائي، وبذلك يصبح النظام الغذائي السليم شريكًا أساسيًا في خطة العلاج الشاملة.
إن «الاكتئاب» ليس مجرد حالة نفسية منعزلة عن الجسد، بل هو انعكاس لتوازن داخلي يشمل الغذاء والنوم والحركة والصحة العامة، ومن هنا يظهر الدور المحوري للتغذية العلاجية في دعم المرضى وتوفير بدائل طبيعية تحسن من نوعية حياتهم، إن «الطعام الصحي» ليس فقط وسيلة لتغذية الجسد وإنما هو غذاء للروح والعقل أيضًا، وكلما أدرك الإنسان أن العادات الغذائية السليمة قد تكون بديلاً لمضادات الاكتئاب في بعض الحالات زادت فرصه في العيش بحالة نفسية مستقرة وسليمة.