حكم الزكاة في مقدم إيجار الشقق كما توضح الإفتاء
الزكاة تعد من أكثر الموضوعات التي تشغل أذهان المسلمين عند تعاملهم مع أموالهم وخاصة عند وجود التزامات مالية ضرورية مثل الإيجار، ولذلك ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال مهم عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يستفسر فيه السائل عن حكم الزكاة على المال المدفوع مقدمًا لإيجار شقة، وهو سؤال يعكس حرص الناس على معرفة الحكم الشرعي الدقيق والتأكد من توافق معاملاتهم مع ما أوجبه الشرع، وقد جاء رد دار الإفتاء ليضع النقاط على الحروف ويشرح الحكم الصحيح المتعلق بهذا النوع من الأموال، موضحًا أن المال المخصص للسكن يعد من «الحاجات الأساسية» التي يترتب عليها اختلاف الحكم الشرعي للزكاة.
المال المدفوع مقدمًا وإخراجه من الملك
قالت دار الإفتاء في ردها إن المال الذي يبلُغ النصاب الشرعي وتكتمل عليه شروط الزكاة من بلوغ النصاب وحولان الحول وأن يكون زائدًا عن الحاجات الأساسية وخاليًا من الديون، تجب فيه الزكاة بلا خلاف، إلا أن الحالة محل السؤال تختلف لأنها تتعلق بمال خرج بالفعل من يد صاحبه مقابل «الحاجة إلى السكن»، وهي حاجة أساسية لا غنى عنها، إذ أوضحت الدار أن المال المدفوع مقدمًا لم يعد في حوزة الشخص ولا يصلح اعتباره مالًا ناميًا أو قابلًا للنمو، كما أنه مخصّص لضرورة أساسية وهي السكن الذي يمثل أساس الحياة، وبهذا فإن المال لا يخضع لإخراج الزكاة لأنه لم يعد متاحًا لصاحبه لينمو أو ليُستثمر، بل أصبح في حكم المال المستهلك والمستخدم بالفعل.
وبذلك أكد علماء الدار أن الشخص الذي دفع مبلغًا مقدمًا لإيجار شقته لا يُطلب منه إخراج الزكاة عن هذا المال، لأن «الحاجة الأصلية» ترفع عنه حكم الوجوب، وقد جاءت هذه الفتوى لتعطي توضيحًا مهمًا حول الفرق بين المال الذي يُحتفظ به ويستطيع الإنسان أن يتصرف فيه بحرية، والمال الذي تم تخصيصه لحاجة لا غنى عنها، وهو ما يغير الحكم الشرعي بصورة كاملة، وفي هذا يظهر مدى حكمة الشريعة ومرونتها في التعامل مع الظروف الإنسانية المختلفة.
هل يجوز دفع الزكاة لمن لا يستطيع دفع إيجار مسكنه
وفي سياق متصل تساءل كثيرون عن إمكانية إعطاء الزكاة لشخص لا يستطيع دفع إيجار بيته، وقد بيَّنت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية أن هذا جائز تمامًا بل هو من أبواب الخير، لأن الشخص الذي يعجز عن دفع الإيجار يجتمع فيه سببان من أسباب استحقاق الزكاة وهما «الفقر» و«الغرم»، كما استشهدت اللجنة بقول الله تعالى في الآية الكريمة «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم»، مما يدل على أن «الغارمين» لهم نصيب واضح ومحدد من الزكاة.
وأضافت اللجنة أن العلماء أجازوا دفع الزكاة للمدين حتى تُسدد عنه ديونه، سواء قدّمها صاحب المال مباشرة للمستحق أو قام بسداد الدين نيابة عنه ثم احتسبه من مال الزكاة، بشرط أساسي وهو ألا يكون ذلك حيلة لاسترداد المال، لأن الزكاة عبادة وحق لله تعالى لا يجوز الالتفاف عليه، كما أوضح ابن مفلح الحنبلي كلامًا واضحًا في هذا الباب، وأكد أن دفع الزكاة للغارم يجوز إذا كان بحاجة حقيقية للسداد، وأن المقرض يجوز أن يعفي المدين من الدين ويحتسب ذلك من الزكاة بشرط ألا يكون المقرض يحاول فقط استعادة أمواله بطريقة غير شرعية، وهذا يبرز أهمية النية الخالصة عند إخراج الزكاة.
أهمية مراعاة المقاصد الشرعية في توزيع الزكاة
إن فقه الزكاة لا يقتصر فقط على حساب نسبة المال أو بلوغ النصاب، بل يراعي مقاصد الشريعة التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ومنع الضيق عن المحتاجين، ومن هنا نجد أن الفقهاء فرّقوا بين المال الذي يعد جزءًا من ضروريات الحياة وبين المال الفائض الذي يمكن لصاحبه الاستغناء عنه، فالزكاة ليست عبئًا بل رحمة عظيمة تهدف إلى تخفيف حاجة الفقير وتحقيق توازن في المجتمع، ولذلك فإن الحكم بعدم وجوب الزكاة على المال المدفوع مقدمًا للإيجار ينسجم تمامًا مع فلسفة التشريع التي تعتبر المسكن حاجة أساسية لكل إنسان، والشرع لا يكلّف الإنسان بما يشق عليه أو بما لا يملك.
كما أن القاعدة الشرعية الكبرى التي تقول «لا زكاة في مال لا يُرجى نماؤه» تنطبق بشكل مباشر على هذه الحالة، فالمال الذي يدفع للإيجار خرج من ملك صاحبه بالفعل، ولا يمكن استعادته، وليس معدًا للزيادة أو الاستثمار، بل هو مال تحققت فائدته بالفعل، ومن ثم لا يدخل ضمن الأموال الواجبة فيها الزكاة.
أثر الفتوى على المجتمع ودورها في رفع الحرج
الأسئلة المتعلقة بـ الزكاة تتكرر كل عام مع اقتراب موعد إخراجها، ولذلك فإن صدور فتاوى واضحة ومباشرة من المؤسسات الشرعية يسهم في رفع الحرج عن الناس ويوجههم إلى الصواب، كما أن وضوح الأحكام يجعل المجتمع أكثر وعيًا بدوره تجاه المحتاجين ويزيد من انتشار روح التكافل، وفي هذا السياق تأتي هذه الفتوى التي تبين أن المال المستخدم لتأمين السكن لا يجب فيه إخراج الزكاة، بينما يجوز دفع الزكاة لمن يعجز عن دفع إيجار مسكنه، وهذا يضمن وصول الدعم إلى من يحتاجه بالفعل.



