تحذير طبي.. استخدام الشاشات لفترات طويلة يزيد خطر «آلام الرقبة» بنسبة 88%

آلام الرقبة باتت واحدة من أكثر المشكلات الصحية انتشارًا في العصر الحديث، حيث كشفت دراسة طبية حديثة عن ارتفاع «مقلق» في خطر الإصابة بها بنسبة تصل إلى 88% نتيجة الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية، ويشمل ذلك الهواتف المحمولة، الحواسيب المحمولة، والأجهزة اللوحية، وهو ما دفع الأطباء والمتخصصين في مجال الصحة العامة إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من هذه الظاهرة التي تتفاقم يومًا بعد يوم.
الاستخدام الطويل للشاشات خطر خفي
تشير الدراسة التي أجريت مؤخرًا إلى أن الاعتماد المتزايد على «الشاشات» في العمل والترفيه والتواصل الاجتماعي بات يشكل تهديدًا واضحًا لصحة العمود الفقري والعضلات المحيطة بالرقبة، وأوضحت أن أغلب الأشخاص يقضون ما لا يقل عن 6 إلى 8 ساعات يوميًا في وضعية ثابتة أمام الشاشة، ما يؤدي إلى «إجهاد عضلي مزمن» وتصلب في فقرات العنق والكتف.
تؤكد نتائج الدراسة أن الوضعيات غير الصحيحة أثناء استخدام الأجهزة، مثل الانحناء الزائد أو إمالة الرأس بشكل مستمر إلى الأمام، تساهم بشكل مباشر في زيادة احتمالية الإصابة بـ«آلام الرقبة»، ومع مرور الوقت تتحول هذه الآلام من مجرد شعور عابر إلى حالة مزمنة تتطلب تدخلًا طبيًا متخصصًا.
العادات اليومية وراء تصاعد آلام الرقبة
من الملفت أن هذه «الآلام» لا تقتصر على فئة عمرية معينة، بل باتت تشمل الأطفال والمراهقين أيضًا، وذلك بسبب الاستخدام المفرط للألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويضيف المختصون أن الآباء والأمهات عليهم دور كبير في مراقبة سلوكيات أبنائهم وتنظيم أوقات استخدامهم للأجهزة الذكية.
كما تُشير تقارير طبية إلى أن أغلب الموظفين الذين يعملون من المنزل بعد جائحة كورونا أصبحوا يعانون من زيادة حادة في «آلام الرقبة»، نتيجة غياب الكراسي والمكاتب المريحة والمخصصة للعمل الطويل، بالإضافة إلى تجاهل فترات الاستراحة الضرورية لتخفيف الضغط على الرقبة والظهر.
تحذيرات طبية ودعوات لتغيير النمط الحياتي
في ضوء هذه النتائج، دعا الأطباء إلى اتباع سلسلة من الإرشادات للوقاية من «آلام الرقبة»، من بينها تعديل وضعية الجلوس بحيث يكون الظهر مستقيمًا والرأس مرفوعًا، كما يُنصح برفع الأجهزة إلى مستوى النظر لتجنب الانحناء المستمر، وأوصت الدراسات أيضًا بضرورة أخذ استراحات قصيرة كل 30 إلى 60 دقيقة للوقوف، تمديد الرقبة، وتحريك الكتفين لتفادي التصلب العضلي.
أخصائيو العلاج الطبيعي شددوا على أهمية ممارسة التمارين الرياضية المخصصة للرقبة والكتفين بانتظام، كما نصحوا بالابتعاد عن الجلوس لفترات طويلة دون حركة، لأن ذلك يزيد من احتمالية «تكلس المفاصل» و«تشنج العضلات» مما يُفاقم مشكلة «آلام الرقبة» بشكل خطير.
التقنية ليست العدو ولكن الاستخدام الخاطئ هو الخطر
ورغم هذه التحذيرات، شدد الخبراء على أن التكنولوجيا ليست هي العدو الحقيقي، بل طريقة استخدامها هي ما يُسبب الأذى، فقد أصبحت الأجهزة الذكية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية سواء للعمل أو التعلم أو حتى الترفيه، إلا أن سوء الاستخدام وعدم مراعاة الجوانب الصحية هو ما أدى إلى انتشار «آلام الرقبة» بهذا الشكل الواسع.
لذلك يُنصح بأن يتم دمج ثقافة الوعي الصحي في المؤسسات التعليمية والعملية، من خلال إقامة ورش عمل توعوية حول «آداب استخدام الأجهزة الذكية» وكيفية تجنب مضاعفاتها الجسدية، وهو ما سيسهم في تقليل نسبة الإصابات وتحسين جودة الحياة.
هل يمكن علاج آلام الرقبة دون تدخل طبي؟
تشير بعض الدراسات إلى أن معظم حالات «آلام الرقبة» الناتجة عن استخدام الشاشات لا تحتاج إلى تدخل طبي مباشر في بدايتها، وإنما يمكن علاجها من خلال تصحيح السلوكيات اليومية وممارسة التمارين الوقائية بانتظام، إلا أن إهمال الأعراض الأولية وعدم أخذ التحذيرات بجدية قد يؤدي إلى تفاقم الحالة وظهور مشكلات أعقد مثل الانزلاق الغضروفي أو الضغط على الأعصاب.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 70% من سكان المدن يعانون من درجة ما من درجات «آلام الرقبة» أو الكتف نتيجة أنماط الحياة الحديثة، ويزداد الوضع سوءًا مع تزايد ساعات العمل الرقمي والاعتماد الكامل على الأجهزة في مختلف المهام اليومية.
الرسالة الأهم.. وازن بين راحتك وتقدمك التكنولوجي
الرسالة التي وجهها الباحثون من خلال هذه الدراسة كانت واضحة ومباشرة، وهي أن «التوازن» بين استخدام التكنولوجيا والاهتمام بالصحة الجسدية يجب أن يكون هو المعيار الأساسي في نمط حياتنا المعاصر، فالحفاظ على الرقبة من «الآلام» والتصلب يتطلب وعيًا ذاتيًا والتزامًا بإجراءات وقائية بسيطة لكنها فعالة.
يجب أن نُدرك أن ما نعتبره أمرًا بسيطًا مثل الجلوس أمام شاشة قد يتحول مع مرور الوقت إلى «مشكلة مزمنة» تلازمنا لسنوات، وقد تُسبب فقدان القدرة على التركيز والعمل وتؤثر على جودة النوم والمزاج العام.
لذا لا بد من إحداث تغيير حقيقي في أسلوب الحياة اليومية، واعتبار كل دقيقة نقضيها أمام الشاشة بمثابة «اختبار صحي» يتطلب منا تصرفًا واعيًا ومسؤولًا.