دراسة.. لقاح الهربس يقي من النوبات القلبية حتى 8 سنوات متواصلة

الهربس قد لا يكون مجرد فيروس جلدي مزعج، فقد توصلت دراسة طبية حديثة إلى نتائج وصفت بأنها «مفاجئة» في تأثيراتها الصحية الممتدة، إذ بيّنت أن لقاح الهربس الذي يُستخدم تقليديًا للوقاية من الطفح الجلدي المؤلم المعروف باسم «القوباء المنطقية» قد يساهم بشكل فعال في «خفض خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية» بنسبة كبيرة تمتد آثارها لما يقارب 8 سنوات متواصلة، وهو ما يفتح آفاقًا جديدة في عالم الوقاية القلبية وربما يُغيّر من المفاهيم التقليدية حول اللقاحات ومجالات تأثيرها.
نتائج دراسة استمرت سنوات
الدراسة التي نشرتها دورية الجمعية الأميركية للقلب «American Heart Association»، وشملت متابعة أكثر من 200 ألف شخص من كبار السن، أظهرت أن أولئك الذين تلقوا لقاح الهربس كانوا أقل عرضة للإصابة بـ«مشكلات القلب والأوعية الدموية»، بنسبة وصلت إلى 20% مقارنة بغير الملقحين، وهو ما أثار دهشة الباحثين الذين لم يتوقعوا أن يكون لقاح يستهدف فيروس الهربس له هذا التأثير الوقائي «الممتد والعميق» على صحة القلب.
وأوضح الدكتور «أميت خايرا» الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ أمراض القلب، أن لقاح الهربس قد يعمل على تقليل التهابات الجسم المزمنة، والتي تعتبر أحد العوامل المحفزة لتصلب الشرايين، وهو السبب الأساسي لمعظم أمراض القلب، مضيفًا أن الدراسة أخذت بعين الاعتبار عوامل مثل السن والتاريخ الصحي للمشاركين، ما يعطي النتائج «مصداقية سريرية قوية».
آلية التأثير.. ليست صدفة طبية
ما جعل هذه الدراسة أكثر «تشويقًا» هو أن النتائج لم تكن مجرد رصد لظاهرة عابرة، بل جاءت مدعومة بتحليلات طبية واسعة تؤكد أن التأثير المحتمل للقاح الهربس على صحة القلب ليس وليد الصدفة، حيث يُعتقد أن الفيروسات الكامنة مثل الهربس قد تسهم بشكل خفي في «تنشيط الالتهابات داخل الأوعية الدموية»، وبالتالي فإن منع هذه الفيروسات من التفاعل أو الانتشار عبر التطعيم، يؤدي إلى تقليل الضغط الالتهابي المزمن الذي يتعرض له الجسم، مما يقلل من احتمالية حدوث النوبات القلبية أو السكتات.
وأشار الباحثون إلى أن فيروس الهربس النطاقي يمكن أن يبقى خاملًا لسنوات ثم يعاود الظهور في فترات ضعف المناعة، ويصاحب ظهوره التهاب عصبي حاد قد يؤثر بدوره على صحة الشرايين، ولذلك فإن لقاح الهربس لا يمنع فقط الأعراض الجلدية المعروفة، بل يمنع أيضًا تلك «التفاعلات الالتهابية الخفية» التي قد تؤثر في القلب على المدى الطويل.
اللقاح كأداة وقائية جديدة لمرضى القلب
يشير عدد من المتخصصين في أمراض القلب إلى أن هذه الدراسة قد تؤسس لاتجاه جديد في استخدام «اللقاحات التقليدية» كجزء من الخطة العلاجية لمرضى القلب أو أولئك المعرضين للإصابة، حيث بات واضحًا أن الأثر الإيجابي للقاح الهربس يتعدى مجرد الوقاية من مرض جلدي، ويتغلغل إلى أعماق الجهاز الدوري، مؤكدين أن «العلاقة بين العدوى المزمنة وصحة القلب لم تُدرس بما يكفي سابقًا»، مما يجعل من هذه النتائج نقطة انطلاق جديدة للأبحاث المستقبلية.
وفي هذا الإطار، أوصى بعض الخبراء بضرورة أن يُدرج لقاح الهربس ضمن قائمة التطعيمات الضرورية لمن هم فوق سن الخمسين، أو من لديهم تاريخ مع أمراض القلب، وذلك بعد إجراء تقييم طبي شامل، مشددين على أن الوقاية المناعية قد تكون أكثر فعالية وأقل تكلفة على أنظمة الرعاية الصحية مقارنة بالعلاج بعد الإصابة.
ردود فعل طبية عالمية
وقد تفاعلت العديد من الجهات الطبية العالمية مع نتائج هذه الدراسة، حيث وصفتها منظمة الصحة العالمية بأنها «واحدة من أهم الاكتشافات في العلاقة بين العدوى والوقاية القلبية»، فيما دعا المجلس الأوروبي لأمراض القلب إلى مراجعة سياسات التطعيم الوطنية في ضوء هذه النتائج، خاصة في الدول التي تسجل معدلات عالية من أمراض القلب والشرايين، معتبرين أن «دمج الوقاية المناعية في البروتوكولات القلبية» قد يحدث ثورة في معدلات الوفيات المرتبطة بالنوبات القلبية.
كما أبدت جمعيات طبية في أستراليا وكندا اهتمامها بتوسيع نطاق الدراسات لتشمل فئات عمرية مختلفة وأنواعًا أخرى من اللقاحات التي قد تحمل تأثيرات غير متوقعة مماثلة، وأكدت أن نتائج لقاح الهربس تمثل نموذجًا لما يمكن أن تقدمه البحوث الطبية حين تتخطى الحدود التقليدية وتربط بين تخصصات ظلت لسنوات بعيدة عن بعضها.
مخاوف وتحذيرات يجب مراعاتها
ورغم الحماس الذي أثارته الدراسة، إلا أن بعض الأطباء حذروا من تعميم النتائج على جميع الفئات دون إجراء مزيد من الدراسات السريرية، خاصة أن لقاح الهربس قد لا يكون مناسبًا لبعض المرضى مثل أولئك الذين يعانون من أمراض مناعية حادة أو تحسّس من مكونات اللقاح، كما أشاروا إلى أن فعالية اللقاح في خفض النوبات القلبية لا تعني التخلي عن الأدوية القلبية المعروفة، بل يجب اعتباره إضافة إلى النظام العلاجي وليس بديلًا عنه.
وأكد الباحثون أن هناك حاجة لمزيد من التجارب السريرية التي تتابع مجموعات أكبر من الناس ولفترات أطول، للتحقق من مدى استدامة هذا الأثر، كما شددوا على أهمية التوعية بدور «الوقاية المناعية» ليس فقط لمكافحة الأمراض المعدية، ولكن لحماية القلب من الأخطار الصامتة.
اللقاحات تخرج من عباءتها التقليدية
في ضوء هذه الدراسة، يتبين أن لقاح الهربس لم يعد مجرد إجراء وقائي ضد عدوى فيروسية مزعجة، بل تحوّل إلى «وسيلة فعالة لحماية القلب»، مما يسلّط الضوء على «القيمة الشمولية للقاحات»، ويعزز من أهمية التفكير في استخدامها في نطاق أوسع من المجالات الطبية، وربما نكون أمام حقبة جديدة تُستخدم فيها التطعيمات للوقاية من أمراض غير معدية بنفس الكفاءة التي أظهرتها في مكافحة الأوبئة والفيروسات.