بدموع وفرح.. السوريين يودعون اللجوء ويعبرون نحو الوطن

في خطوة جديدة ضمن جهود إعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار، عادت نحو 150 عائلة سورية لاجئة إلى بلادها بشكل طوعي خلال اليومين الماضيين، بعد سنوات من النزوح الذي فرضته الحرب السورية وتبعاتها الأمنية والاقتصادية.
وقام الجيش اللبناني بالتعاون مع مخابرات منطقة البقاع بتنظيم عملية عودة نحو 100 عائلة من منطقة وادي حميد في بلدة عرسال إلى منطقة القلمون الغربي داخل سوريا، وذلك عبر معبر الزمراني الحدودي، في إطار رحلات منظمة تُنفذ بشكل أسبوعي منذ مطلع العام الجاري.
وتأتي هذه الخطوة في ظل ما وصفه مراقبون بـ«الإرادة المتزايدة لدى بعض اللاجئين للعودة الطوعية إلى مناطقهم الأصلية»، خصوصًا بعد تراجع حدة المعارك في بعض المناطق السورية، وتحسن جزئي في الوضع الأمني النسبي.
معبر جوسيه يشهد عودة 50 عائلة إلى ريف حمص
بالتوازي، شهد معبر جوسيه الحدودي عودة دفعة جديدة من اللاجئين السوريين، حيث عادت 50 عائلة سورية أخرى إلى مدينة القصير وقرى ريف حمص، في إطار نفس البرنامج الذي تُشرف عليه السلطات اللبنانية بالتعاون مع الجانب السوري، ويُدار على المستوى الميداني من قبل وحدات الجيش.
وتعد هذه الخطوة استكمالًا لبرنامج «العودة الطوعية» الذي يُنظم بانتظام منذ سنوات، إلا أن وتيرته شهدت تغيرات بسبب التطورات الأمنية والسياسية الإقليمية، إلى جانب المواقف الدولية المتباينة من الملف.
استئناف عمليات العودة الطوعية بعد توقف مؤقت
وكان الأمن العام اللبناني قد استأنف أواخر أبريل الماضي عمليات ترحيل اللاجئين السوريين من بلدة عرسال، بعد توقف مؤقت دام لعدة أسابيع، نتيجة ضغوط داخلية وخارجية وانتقادات من بعض المنظمات الحقوقية والدولية.
ويؤكد الأمن العام اللبناني أن كافة عمليات الترحيل تُنفذ وفق آليات «العودة الطوعية»، بما يضمن عدم إجبار أي لاجئ على مغادرة الأراضي اللبنانية دون رغبته الكاملة، وهو ما يتم توثيقه من خلال استمارات وتصريحات شخصية من العائدين أنفسهم.
مشاورات رسمية بين لبنان وسوريا لحل ملف اللاجئين
في السياق ذاته، ناقشت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية هند قبوات مع وزيرة الشؤون الاجتماعية اللبنانية حنين السيد، ملف اللاجئين السوريين في لبنان، وذلك على هامش مؤتمر الإسكوا الذي عُقد في بيروت منتصف أبريل الماضي.
وبحثت الوزارتان سبل تعزيز التعاون بين البلدين، بما يضمن تسهيل عودة من يرغب من اللاجئين إلى سوريا، وتحسين الظروف القانونية والمعيشية لهم خلال تواجدهم المؤقت في لبنان، إضافة إلى دعم المجتمعات المضيفة.
وتُعد هذه اللقاءات جزءًا من سلسلة محادثات رسمية تُجرى على مستويات مختلفة بين بيروت ودمشق، بغرض تسريع وتيرة العودة، لا سيما في ظل ما يصفه المسؤولون اللبنانيون بـ«الضغط الديمغرافي والاقتصادي الذي يشكله ملف اللاجئين على البلاد».
تزايد النزوح مقابل عودة محدودة.. تحديات متواصلة
وفي الوقت الذي تُسجل فيه هذه التحركات الميدانية إيجابية جزئية، لا يزال النزوح من الأراضي السورية مستمرًا، إذ أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن أكثر من 21 ألف شخص نزحوا من سوريا إلى لبنان خلال شهر مارس الماضي فقط، هربًا من التصعيد العسكري في مناطق الساحل السوري، وخصوصًا في ريف اللاذقية.
هذا الواقع يعكس المفارقة القائمة بين محاولات تشجيع العودة، واستمرار الأسباب التي تدفع بمزيد من السوريين لعبور الحدود طلبًا للأمان والمعيشة، وهو ما يطرح تحديات كبيرة أمام كل من الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة.
الحكومة اللبنانية تطالب بدعم دولي
من جهتها، تُجدد الحكومة اللبنانية في مناسبات عدة دعوتها للمجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته في دعم لبنان لمواجهة أعباء اللجوء، خاصة وأن البلاد تستضيف أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري، وفق تقديرات رسمية، في ظل ظروف اقتصادية خانقة تمر بها البلاد.
وتُصر بيروت على أن العودة الطوعية هي الحل الأنسب، وتؤكد أن أغلب المناطق السورية أصبحت آمنة نسبيًا، مشيرة إلى أن استمرار الدعم الخارجي لبقاء اللاجئين في لبنان يطيل أمد الأزمة ويضاعف من معاناة الطرفين.
تمثل عودة 150 عائلة سورية من لبنان إلى سوريا خطوة صغيرة ضمن مسار طويل ومعقد لإغلاق ملف اللجوء السوري، لكنها تكشف في الوقت ذاته حجم التعقيدات الأمنية والإنسانية التي لا تزال تحيط بهذا الملف، والذي يتطلب تعاونًا إقليميًا ودوليًا أوسع لضمان عودة كريمة وآمنة للملايين من السوريين المنتشرين في دول الجوار.