أبو الغيط بقمة بغداد.. الأمن القومي العربي مهدد.. والدولة الوطنية مفتاح الاستقرار

في كلمة اتسمت بالتحذير والواقعية، أطلق أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، جرس إنذار بشأن مستقبل الأمن القومي العربي، مؤكدًا أنه لا يزال بعيدًا عن التحقق الفعلي، في ظل تفاقم التحديات الإقليمية والداخلية التي تضرب عددًا من الدول العربية.
جاءت تصريحات أبو الغيط خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال القمة العربية العادية الرابعة والثلاثين، التي انطلقت صباح السبت 17 مايو، في العاصمة العراقية بغداد، وسط حضور رفيع المستوى من القادة والزعماء العرب.
الأمن القومي العربي في مهب الريح
قال أبو الغيط إن المنطقة العربية تواجه تهديدات غير مسبوقة من أطراف خارجية وأخرى داخلية، مشيرًا إلى أن الإقليم العربي كان وما يزال مستهدفًا بأطماع إقليمية وتدخلات أجنبية غير حميدة، تسهم في تعميق الأزمات وتأجيج النزاعات.
وأوضح أن بعض الدول العربية باتت مهددة في كيانها السياسي ووحدتها الجغرافية، بينما تعاني دول أخرى من صراعات أهلية واستقطابات داخلية تجعلها غير قادرة على أداء وظائف الدولة الأساسية.
وشدد الأمين العام على أن هذه الأوضاع تنعكس بشكل مباشر على مجمل النظام الإقليمي العربي، وتفرغه من عناصر القوة والتماسك، وتجعل منه ساحة رخوة للتدخلات الدولية والصراعات بالوكالة، موضحًا أن تآكل مفهوم الدولة الوطنية الحديثة في بعض البلدان يُعد من أبرز أسباب هذه الأزمات المزمنة.
الدولة الوطنية.. نقطة البداية لأي إصلاح
في معرض حديثه، اعتبر أبو الغيط أن غياب أو ضعف الدولة الوطنية هو الثغرة الكبرى التي تنفذ منها الأزمات إلى الجسد العربي، مؤكدًا أن بناء دولة حديثة قادرة على احتكار أدوات القوة الشرعية، وممارسة السيادة ضمن إطار قانوني ومؤسسي، هو الأساس الأول لاستعادة الاستقرار ومنع الانهيار.
وأضاف أبو الغيط أن الدولة الوطنية التي تقوم على احترام المواطنة، وتحقيق العدالة، وضمان الحريات، هي الضمانة الفعلية لحصانة المجتمعات في مواجهة الاختراقات الفكرية والمسلحة، مشيرًا إلى أن تحقيق التنمية، ومواجهة التحديات الكبرى مثل الأمن الغذائي والمائي، والتحولات المناخية، والتقدم التكنولوجي، لا يمكن أن يتم إلا من خلال دول قوية ومتماسكة داخليًا.
قمة بغداد.. ملفات شائكة وآمال كبيرة
وتنعقد القمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد، في ظرف إقليمي بالغ الدقة، تزامنًا مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر التاسع عشر على التوالي، وسط تحذيرات دولية من كارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وتأتي القمة تحت شعار «حوار وتضامن وتنمية»، ما يعكس رغبة الدول العربية في تجاوز الانقسامات، والتركيز على الملفات التنموية إلى جانب القضايا السياسية الساخنة.
ومن بين أبرز الملفات المطروحة على جدول أعمال القمة: تطورات الحرب في غزة، وخطة إعادة الإعمار التي تتبناها الدول العربية، إلى جانب ملفات ليبيا وسوريا والسودان واليمن، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها شعوب عربية كثيرة في ظل تصاعد الأسعار والركود.
مشاركة مصرية بارزة.. كلمة مرتقبة للرئيس السيسي
من جهته، يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في أعمال القمة، وسط ترقب عربي واسع لكلمته التي ستتناول رؤية مصر تجاه أبرز التحديات الإقليمية والدولية.
ووفقًا لمصادر دبلوماسية، من المنتظر أن تتضمن كلمة الرئيس السيسي تأكيدًا على دعم مصر الثابت للقضية الفلسطينية، ورفضها القاطع لسياسات العقاب الجماعي التي تنتهجها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
كما ستتطرق الكلمة إلى سبل تعزيز التضامن العربي، وتفعيل آليات العمل المشترك لمواجهة التحديات المشتركة، خاصة في ملفات الأمن المائي، ومكافحة الإرهاب، والتغير المناخي، والتحول الرقمي، في ظل التحديات المتسارعة على المستويين الإقليمي والدولي.
وتؤكد القاهرة أن مشاركتها الفاعلة في هذه القمة تأتي في إطار سياستها الثابتة الهادفة إلى دعم وحدة الصف العربي، وتعزيز القدرة الجماعية للدول العربية على مواجهة الأزمات الراهنة بعقلانية وتنسيق، يراعي مصالح الشعوب العربية واستقرار أنظمتها السياسية.
تحديات المرحلة.. واختبار الإرادة العربية
ويرى مراقبون أن القمة الحالية تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة النظام العربي على بلورة مواقف موحدة، وصياغة سياسات واقعية في مواجهة أزمات ممتدة ومعقدة، وسط تحولات جيوسياسية عالمية غير مسبوقة.
كما تُمثل فرصة للدول العربية لإعادة النظر في آليات التنسيق والتعاون، وبحث سبل تفعيل دور جامعة الدول العربية بما يتناسب مع حجم التحديات.
وفي الوقت الذي تشتد فيه الأزمات، من غزة إلى الخرطوم، تبقى قمة بغداد بارقة أمل في مسار طويل وشاق لاستعادة الدور العربي، وبناء منظومة إقليمية فاعلة، قادرة على حماية الأمن القومي العربي، والدفاع عن مصالح شعوبه في ظل عالم يتغير بسرعة، ولا ينتظر المتأخرين.