طرابلس على حافة الانفجار.. والدولة تتدخل في اللحظة الأخيرة

في خطوة تهدف إلى احتواء التوتر الأمني المتصاعد في العاصمة الليبية طرابلس، أعلنت وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية وقف إطلاق النار في المدينة، وذلك بالتزامن مع بيان مماثل صادر عن المجلس الرئاسي الليبي، يؤكد اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الاشتباكات وحماية المدنيين.
وأكدت وزارة الدفاع في بيان رسمي أنها باشرت بتنفيذ خطة ميدانية عاجلة تهدف إلى فرض التهدئة داخل طرابلس، عبر نشر وحدات عسكرية محايدة في عدة نقاط تماس تشهد توترات بين الفصائل المسلحة، مشددة على أن هذه التحركات تأتي في إطار الواجب الوطني لحماية السكان المدنيين وضمان أمنهم وسلامتهم.
وأوضح البيان أن القوات النظامية بدأت الانتشار الفعلي منذ مساء أمس، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى، وذلك ضمن خطة تهدف إلى إعادة الاستقرار إلى أحياء العاصمة التي شهدت مؤخراً موجات عنف متفرقة، تسببت في حالة من الذعر بين السكان.

المجلس الرئاسي يصدر بيانًا حازمًا
في موازاة تحركات وزارة الدفاع، أصدر المجلس الرئاسي الليبي بيانًا رسميًا أعلن فيه وقفا فوريا لكافة الاشتباكات المسلحة داخل طرابلس، محذراً من تداعيات التصعيد على أمن المدنيين وسلامة الدولة، ومؤكداً على أن هذه الخطوة تأتي انطلاقاً من المسؤولية السياسية والوطنية للمجلس بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي.
وشدد البيان على «الامتناع التام عن استخدام السلاح داخل المناطق المدنية»، محذرًا من أن «أي جهة أو فرد يخالف هذه التوجيهات سيتحمل المسؤولية القانونية الكاملة، لما يترتب عليه من تهديد مباشر لأمن العاصمة واستقرارها».
ودعا المجلس الرئاسي جميع الأطراف المنخرطة في الأزمة إلى تغليب لغة الحوار وتفادي الحسابات الضيقة التي قد تقوض المصلحة الوطنية العليا، مؤكدًا التزامه بمواصلة العمل على توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وبناء دولة القانون والمؤسسات كخطوة ضرورية لإنهاء الفوضى المسلحة وتثبيت أركان الاستقرار.
انتشار أمني وتحذيرات للسكان
وأفاد سكان في مناطق جنوب وغرب طرابلس بأنهم لاحظوا انتشار وحدات أمنية وعسكرية تابعة للحكومة في عدة شوارع رئيسية، بالتزامن مع توقف أصوات الاشتباكات التي سُجلت خلال الساعات الأولى من صباح اليوم.
كما وجهت وزارة الدفاع نداءً إلى المواطنين طالبتهم فيه بتوخي الحذر وتجنب التواجد في مناطق التوتر، مشيدة في الوقت ذاته بالجهود التي بذلتها الأطراف الأمنية المختلفة لاحتواء الأزمة ومنع انزلاق الوضع إلى مواجهات أوسع.
ردود فعل داخلية وخارجية
ورحب عدد من النشطاء والسياسيين الليبيين بالبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع والمجلس الرئاسي، معتبرين أنها تمثل «موقفاً مسؤولاً» يسعى لتفادي وقوع كارثة إنسانية في واحدة من أكثر المدن كثافة سكانية في البلاد.
كما أعربت منظمات مدنية عن أملها في أن تُترجم هذه البيانات إلى واقع فعلي، وألا تكون مجرد محاولة للتهدئة الإعلامية، محذرة من تكرار سيناريوهات التصعيد السابقة التي كثيراً ما انتهت بتفاهمات مؤقتة سرعان ما تتلاشى.
في السياق ذاته، دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى «احترام وقف إطلاق النار بشكل كامل»، مشددة على ضرورة تجنيب المدنيين ويلات الصراع، والعمل على معالجة أسباب التوتر من جذورها.
مساعٍ نحو مصالحة وطنية شاملة
وفي ختام بيانه، أكد المجلس الرئاسي الليبي أنه سيواصل العمل على إطلاق مسار شامل للمصالحة الوطنية، بالتعاون مع مختلف القوى السياسية والاجتماعية، مشيرًا إلى أن استقرار طرابلس يعد مفتاحًا لاستقرار ليبيا ككل.
ودعا المجلس المواطنين إلى التحلي بالصبر والوعي، مشددًا على أهمية التعاون مع الجهات الرسمية وعدم الانجرار خلف الشائعات أو التحريض، لما لذلك من آثار خطيرة على جهود تهدئة الأوضاع.
كما أعرب عن تقديره لجميع الجهات التي ساهمت في نزع فتيل الأزمة، مؤكدًا أن الحفاظ على العاصمة واستقرارها هو مسؤولية جماعية تتطلب تضافر كافة الجهود.
ويأتي هذا التحرك الرسمي لوقف التصعيد بعد أيام من التوتر المتصاعد في طرابلس، في ظل استمرار الانقسام السياسي والعسكري في البلاد، وهو ما يعكس هشاشة الوضع الأمني، والحاجة الماسة إلى حلول جذرية تنهي دوامة العنف وتفتح الطريق أمام مرحلة جديدة من البناء والاستقرار في ليبيا.