الجمعة 30 مايو 2025 الموافق 03 ذو الحجة 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

لغات تختفي وأخرى تقاوم الاندثار.. ما هي أقدم لغة في العالم؟

القارئ نيوز

مع وجود أكثر من 7000 لغة محكية في العالم اليوم، يبدو المشهد اللغوي للبشرية غنيًا ومتنوعًا، لكنه أيضًا يواجه تهديدًا متزايدًا. 

ففي الوقت الذي تبرز فيه لغات عالمية تهيمن على الإعلام والاقتصاد والسياسة مثل الإنجليزية والإسبانية والصينية، تشير تقديرات صادمة إلى أن نحو نصف هذه اللغات قد تختفي بحلول عام 2100 إذا لم تُتخذ إجراءات جادة للحفاظ عليها. 

ومن هنا يتجدد السؤال الذي لطالما راود الباحثين والهواة على حد سواء: ما هي أقدم لغة عرفها الإنسان؟

سؤال يبدو بسيطًا للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة معقد للغاية، ويتوقف على زاوية النظر إليه. هل نعني الأقدم من حيث التوثيق الكتابي؟ أم الأقدم من حيث الاستمرار في الاستخدام الشفهي؟ أم اللغة التي حافظت على بنيتها بشكل شبه ثابت عبر العصور دون أن تتعرض لتحولات جذرية؟

الكتابة ليست اللغة

بحسب البروفيسور جاريث روبرتس، أستاذ علم اللغويات في جامعة بنسلفانيا، فإن الكثير من الناس يخلطون بين «اللغة" و"الكتابة».

 ويقول في أحد لقاءاته: «عندما يسأل الناس عن أقدم لغة، فهم غالبًا يقصدون أقدم لغة مكتوبة، لكن الحقيقة أن اللغات المنطوقة سبقت الكتابة بآلاف السنين».

وتُشير كلير باورن، أستاذة اللغويات التاريخية بجامعة ييل، إلى أن البشر استخدموا لغات شفهية ولغات إشارة منذ فجر التاريخ، مضيفةً: «اللغة ليست شيئًا يمكننا تحديد تاريخ ميلاده بدقة، كما نفعل مع ولادة طفل. تطور اللغة عملية مستمرة وطويلة».

اللغات المكتوبة الأقدم.. السومرية والمصرية

من حيث التوثيق، تُعد اللغة السومرية واللغة المصرية القديمة من أقدم اللغات التي كُتبت، فقد نشأت الكتابة المسمارية السومرية والكتابة الهيروغليفية المصرية في أواخر الألفية الرابعة قبل الميلاد، أي منذ ما يزيد عن 5000 عام.

في بلاد الرافدين، استخدم السومريون رموزًا إسفينية الشكل على ألواح طينية لتسجيل تعاملاتهم التجارية، ومع مرور الوقت تطورت هذه الرموز إلى نظام لغوي متكامل، بينما في مصر، استُخدمت الرموز الهيروغليفية لتوثيق أسماء الملوك والطقوس الدينية والنصوص الجنائزية، وهي تعد اليوم أحد أبرز رموز الحضارة المصرية القديمة.

لكن رغم عظمة هاتين اللغتين، فإن السومرية لم تعد تُستخدم كلغة حية منذ أكثر من 2000 عام، والمصرية القديمة تطورت لاحقًا إلى القبطية، والتي بات استخدامها محدودًا في الطقوس الدينية للكنيسة القبطية.

اليونانية والتاميلية.. لغات حية بتاريخ عريق

إذا تحولنا إلى اللغات التي ما تزال تُستخدم حتى يومنا هذا ولها جذور موثقة منذ آلاف السنين، فإن اللغة اليونانية تُعد واحدة من أقوى المرشحين للقب «أقدم لغة حية».

 فقد ظهرت نصوص مكتوبة باليونانية منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، واستمرت عبر مراحل تطورية متعددة: من اليونانية القديمة إلى الكوينه، ثم اليونانية البيزنطية، وصولًا إلى اليونانية الحديثة.

اللافت أن اليونانية لم تنقطع يومًا عن الاستخدام، بل ظلّت تدرس وتُستخدم على مستويات متعددة، من الحياة اليومية إلى الأدب والفلسفة واللاهوت، ما يجعلها لغة حية ذات سجل طويل وفريد.

لكن اليونانية ليست وحدها، فاللغة التاميلية، المحكية في جنوب الهند وسريلانكا، تُعد من أقدم اللغات الدرافيدية التي ما تزال تُستخدم حتى اليوم. 

ولدى التاميلية تراث أدبي موثق يعود إلى أكثر من ألفي عام، فضلًا عن وجود مجتمع ناطق بها يناهز 70 مليون شخص، ما يجعلها من اللغات القليلة التي حافظت على استمراريتها دون انقطاع.

اللغات «الأكثر ثباتًا»

من الزوايا الأخرى لدراسة «الأقدمية»، يفضل بعض اللغويين الحديث عن اللغات التي شهدت أقل قدر ممكن من التغير عبر الزمن. 

وفي هذا السياق، تُطرح أحيانًا اللغة الأيسلندية كلغة حافظت على بنيتها النحوية والمفردات القديمة لقرون طويلة، ما يتيح للأيسلنديين اليوم قراءة نصوص عمرها أكثر من 800 عام دون حاجة للترجمة.

كما تُذكر اللغة الصينية، لا سيما في نسختها الكلاسيكية، التي ظلّت لقرون طويلة لغة النخبة والمثقفين في الصين، رغم التغيرات الكبيرة في النطق واللهجات المستخدمة.

خطر الاندثار.. سباق مع الزمن

ورغم هذا التنوع والغنى، تحذر منظمات دولية مثل «اليونسكو» من أن آلاف اللغات مهددة بالانقراض، خصوصًا تلك التي لا تُكتب أو لا تُدرّس في المدارس. ففي كل أسبوع تقريبًا تختفي لغة كانت تُنطق يومًا ما، دون أن تترك أثرًا.

وتقول كلير باورن: «كل لغة تختفي تحمل معها نظرة مختلفة للعالم، وفقدانها يعني فقدان جزء من التراث البشري».

هل يوجد إجابة علي سؤال «ما هي أقدم لغة؟»

لا توجد إجابة واحدة قاطعة على سؤال «ما هي أقدم لغة؟»، فكل إجابة ترتبط بتعريفنا لما تعنيه «اللغة الأقدم». 

بين السومرية والمصرية القديمة من جهة، واليونانية والتاميلية من جهة أخرى، وبين لغات مكتوبة ولغات ما تزال تُتداول شفهيًا، يظل هذا السؤال مفتوحًا، يعكس تنوع البشرية وثراء إرثها اللغوي.

ومع تقدم العولمة والهيمنة المتزايدة للغات الكبرى، يصبح الحفاظ على هذا الإرث مهمة مشتركة بين اللغويين والحكومات والمجتمعات المحلية، من أجل حماية ما تبقى من كنوز لغوية في عالم يتغير بوتيرة متسارعة.

تم نسخ الرابط