الجمعة 06 يونيو 2025 الموافق 10 ذو الحجة 1446
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
القارئ نيوز القارئ نيوز
رئيس مجلس الإدارة
محمد جودة الشاعر
رئيس التحرير
د.محمد طعيمة
عاجل

مسجد نمرة.. «أرض الخطبة الأخيرة» ومنبر عرفات الذي خُلد في ذاكرة الحجيج

مسجد نمرة
مسجد نمرة

مسجد نمرة هو أحد أبرز المعالم الإسلامية التي ترتبط بشعيرة الحج، بل يمكن اعتباره من أهم رموز «يوم عرفات» الذي يُعد ذروة المناسك، حيث يحتشد ملايين الحجاج في ساحة عرفات ليستمعوا إلى خطبة يوم عرفة التي تُلقى من على منبر هذا «المسجد العريق» الذي بُني في موضع يُعتقد أن النبي محمد ﷺ ألقى فيه «خطبة الوداع»، ولهذا اكتسب «مسجد نمرة» قيمة روحية وتاريخية لا تُضاهى، إذ يجمع بين قدسية المكان وأهمية الحدث الذي يُسترجع فيه كل عام مع مناسك الحج.

موقع تاريخي يشهد على الوحي والبلاغ

يقع «مسجد نمرة» في الجهة الغربية من صعيد عرفات، وتحديدًا على مشارف وادي عرنة، هذا الوادي الذي ورد فيه حديث النبي ﷺ في حجة الوداع، وهو من المواقع التي لا يصح الوقوف فيها، لذا جاء بناء «المسجد» بشكل ذكي يُقسّم بين حدود عرفات وعرنة، حيث إن جزءًا من «المسجد» يقع داخل حدود عرفة، وهو الجزء الذي يُصلى فيه «الظهر والعصر» جمعًا وقصرًا، مما يعكس حرص المعماريين على تلبية الشروط الشرعية المتعلقة بالوقوف بعرفات.

هذا «المسجد» ليس كباقي المساجد العادية، بل هو نقطة انطلاق لأهم خطاب ديني سنوي، تتوجه فيه أنظار العالم الإسلامي إلى خطيب عرفة، الذي يُخاطب الأمة جمعاء من هذا الموضع، مستندًا إلى موروث نَبَوي خالد خطّه النبي ﷺ في خطبته الأخيرة، مما يجعل «مسجد نمرة» شاهدًا سنويًا على تواصل رسالة الرحمة والتوحيد.

تاريخ يمتد منذ فجر الإسلام

أنشئ «مسجد نمرة» في بداية العصر العباسي، وتحديدًا في القرن الثاني الهجري، ومع مرور الزمن توسع وتطوّر حتى بات يشغل مساحة تُقدر بأكثر من 27 ألف متر مربع، وهو ما يجعله قادرًا على استيعاب ما يزيد عن 350 ألف مصلٍ في وقت واحد، ليكون بذلك من أكبر المساجد في العالم من حيث السعة، ولتحقيق هذه الوظيفة الكبرى، تم تزويده بوسائل تكييف وتبريد وخدمات متكاملة تشمل دورات مياه وممرات لذوي الاحتياجات الخاصة، فضلًا عن أنظمة صوتية متقدمة تُبث عبر مكبرات موزعة بدقة لضمان سماع الخطبة والصلاة بشكل واضح.

وقد مرّ «مسجد نمرة» بعدة مراحل من الترميم والتوسعة، كان أبرزها في العهد السعودي الحديث، حيث أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا بهذا الصرح، ضمن منظومة تطوير المشاعر المقدسة، وقد انعكس هذا الاهتمام في تحسين البنية التحتية وزيادة كفاءة الخدمات، بما يليق بمقام الحجاج الذين يتوافدون من شتى بقاع الأرض.

خطبة عرفة من منبر يحمل الرسالة

يُعد منبر «مسجد نمرة» المنصة التي تشهد سنويًا على خطبة عرفة، والتي يلقاها أحد كبار علماء المملكة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، وهي خطبة جامعة شاملة تتناول قضايا العقيدة والوحدة الإسلامية والعدالة الاجتماعية، وتُستمد فيها المضامين من خطبة النبي ﷺ في حجة الوداع التي قال فيها «ألا هل بلغت»، لتكون الخطبة السنوية في «مسجد نمرة» تجديدًا للعهد وإحياءً لمعاني الدين الحنيف.

ويمتاز المنبر بتقنيات بث مباشر تُنقل عبر الإذاعة والتلفاز والإنترنت إلى ملايين المسلمين حول العالم، فيتابعها غير الحجاج كما يتابعها من في عرفات، وهو ما جعل «المسجد» منبرًا عالميًا للكلمة والخطاب الإسلامي.

معمار فريد يعكس روحانية المكان

يتسم تصميم «مسجد نمرة» بالطابع الإسلامي التقليدي الممزوج بلمسات معمارية حديثة، حيث تزينه الأقواس المرتفعة والمآذن الشاهقة التي يصل عددها إلى ثلاث مآذن، بالإضافة إلى مداخل واسعة تُنظّم عملية الدخول والخروج بسلاسة، ويحتوي «المسجد» على أكثر من عشرة آلاف وحدة تبريد موزعة بعناية لخدمة المصلين في ظل الحرارة العالية لمكة في موسم الحج.

ورغم كبر مساحته واتساع مرافقه، إلا أن «المسجد» يحتفظ بروحانية نادرة، حيث يشعر الحاج عند دخوله بأنه في حضرة زمان ومكان مختلفين، فهنا صلى الصحابة، وهنا وقف النبي، وهنا تُجدد الأمة الإسلامية وحدتها، وهنا أيضًا تعلو الدعوات ويُرجى القبول.

تجربة روحية لا تُنسى

يُعد أداء الصلاة في «مسجد نمرة» يوم عرفة من أسمى التجارب الروحية التي يمر بها الحاج، فمع صوت الأذان والخطبة وامتزاج أصوات الحجيج بالتلبية والدعاء، يشعر المرء وكأنه يشهد مشهدًا من مشاهد يوم القيامة، حيث يقف الجميع متجردين من مظاهر الدنيا، متوجهين إلى رب واحد، في مكان واحد، في وقت واحد، وهذا ما يجعل «المسجد» شاهدًا على أجمل تجليات التوحيد.

ويظل «مسجد نمرة» مقصدًا لا يفوّت لكل من أكرمه الله بالحج، كما يسعى كثير من الحجاج إلى الوصول إليه مبكرًا لحجز مكان والاستماع إلى الخطبة في الموقع الذي احتضن أعظم خطبة في تاريخ الإسلام، وهذا ما يزيد من رمزية «المسجد» عامًا بعد عام.

مسجد نمرة في ذاكرة الأمة

إن ما يميز «مسجد نمرة» ليس فقط طرازه المعماري أو سعته الكبيرة، بل رسالته التاريخية والدينية، فهو المسجد الذي يجمع الحجاج في أعظم أيام السنة، وهو الذي يحمل صدى آخر كلمات النبي ﷺ في خطبته الجامعة، لذا فإن ذكره لا يغيب عن الخطب والدروس والمناهج التعليمية، بل يُدرّس للأطفال والشباب باعتباره أحد المعالم التي تحمل معاني النبوة والبلاغ المبين.

ويظل هذا «المسجد العظيم» محفورًا في وجدان الأمة الإسلامية، كرمز من رموز الحج و«منبر للسلام والوحدة» ومصدر إلهام ديني وروحي تتوارثه الأجيال.

يبقى «مسجد نمرة» أكثر من مجرد مبنى، إنه رمز للبلاغ، وصوت للحق، وشاهد على أعظم أيام الإسلام، وفي كل عام يُعيد الحجاج إحياء معاني «الخطبة الأخيرة» من قلب هذا المسجد، وكأنهم يسمعون النبي ﷺ يخاطبهم من جديد، ليظل «مسجد نمرة» منارة دائمة في قلب صعيد عرفات، ومصدرًا متجددًا للإيمان والخشوع.

تم نسخ الرابط