في مزاد خاطف.. لوحة نادرة لفرانس بوست تُباع بـ7.37 مليون دولار بـ«سوثبي»

في أقل من دقيقتين من بدء المزايدة، بيعت لوحة نادرة للفنان الهولندي فرانس بوست بمبلغ قياسي بلغ 7.37 مليون دولار أمريكي، شاملاً الرسوم، وذلك في مزاد دار «سوثبي» العالمية للفنون، بحسب ما كشفه موقع Artnews.
وتُعد هذه الصفقة من أبرز مبيعات الفن القديم هذا العام، نظرًا لقيمة العمل الفنية والتاريخية على حد سواء.
لوحة نادرة من القرن السابع عشر
اللوحة التي تحمل عنوان «منظر أوليندا، البرازيل، مع أطلال الكنيسة اليسوعية»، رُسمت عام 1666، أي منذ نحو 359 عامًا، وتُعد واحدة من أبرز أعمال بوست المستلهمة من رحلاته في أمريكا الجنوبية.
وقد طُرحت ضمن مزاد مخصص لمجموعة جوردان وتوماس أ. سوندرز الثالث، وهي مجموعة فنية شهيرة تضم لوحات لكبار الفنانين الأوروبيين.
تقدير ما قبل البيع.. وسباق خاطف للمزايدة
قبل بدء المزاد، قُدّر سعر اللوحة بين 6 و8 ملايين دولار، لكن المنافسة السريعة والاهتمام العالمي قفزا بها إلى سعر 7.37 مليون دولار، ما يعكس التقدير الكبير لهذا النوع من اللوحات النادرة، وقد تمت عملية البيع في أقل من دقيقتين، ما أثار دهشة الحضور وخبراء الفن.
ديفيد بولاك.. «قيمة فنية وتاريخية لا تُقدر بثمن»
قال ديفيد بولاك، نائب الرئيس الأول ورئيس قسم لوحات الفنانين القدامى في دار سوثبي، إن هذه اللوحة تتميز ليس فقط بجودتها الجمالية، بل بمكانتها في تاريخ الفن.
وأضاف: «في القرن السابع عشر، كان معظم الرسامين الهولنديين يركزون على مناظر محلية وأسلوب الحياة في أوروبا، لكن فرانس بوست اتجه لرسم مناظر من المستعمرات الجديدة، وكان أول من وثّق البرازيل بصريًا بهذا العمق والاهتمام».
فرانس بوست.. رائد الفن الاستعماري الأوروبي
سافر فرانس بوست إلى البرازيل عندما كانت خاضعة للحكم الهولندي، وعاش هناك لعدة سنوات، حيث انبهر بالمناظر الطبيعية والتضاريس الغريبة على الأوروبيين آنذاك.
وخلافًا لأقرانه من الرسامين الهولنديين الذين التزموا بالمناظر الريفية المحلية، وثّق بوست الحياة في العالم الجديد، ورسّخ من خلال لوحاته رؤى الأوروبيين المبكرة عن المستعمرات.
وبحسب مؤرخي الفن، كانت أعمال بوست بمثابة «بطاقات بريدية مرسومة» من الأراضي البعيدة، وقد لاقت رواجًا واسعًا بين نخب المجتمع الأوروبي الراغبين في التعرف على تلك العوالم الجديدة.
قصة ملكية اللوحة.. من باريس إلى الكاردينال فيش
ما يضفي على اللوحة بعدًا إضافيًا من الندرة هو تاريخ ملكيتها، فبحسب دار المزادات، تنقّلت اللوحة بين مجموعات مقتنين في باريس خلال القرن الثامن عشر، قبل أن يشتريها التاجر تشارلز سيمون في القرن التاسع عشر، على الأرجح نيابةً عن الكاردينال جوزيف فيش، عم نابليون بونابرت من جهة الأم.
كان الكاردينال فيش من أبرز جامعي الأعمال الفنية في زمانه، ويُقال إنه اقتنى أكثر من 17 ألف عمل فني، بعضهم من غنائم الحروب النابليونية.
ويُرجح أن لوحة فرانس بوست كانت ضمن هذه المقتنيات التي بقيت ضمن مجموعات خاصة لعقود طويلة، قبل أن تظهر مؤخرًا للعلن.
تحليل فني.. ما الذي يجعل اللوحة استثنائية؟
تمتاز لوحة «منظر أوليندا» بعدة عناصر تجعلها ذات قيمة عالية:
الحجم الكبير مقارنة بأغلب أعمال بوست
تفاصيل دقيقة تصور الكنيسة اليسوعية المهدمة في وسط طبيعة استوائية
توقيع أصلي وتاريخ دقيق، مما يثبت نسب العمل
استخدام ألوان طبيعية ناعمة تبرز تضاد الطبيعة مع الأطلال الاستعمارية
وقد أشار بولاك إلى أن هذه التفاصيل مجتمعة "تضع اللوحة في مصاف الأعمال الفنية المرموقة، وتؤهلها لتكون جزءًا من أي متحف عالمي أو مجموعة خاصة نخبوية".
قيمة تتجاوز المال
لا تمثل هذه اللوحة مجرد عمل فني كلاسيكي، بل تُعتبر وثيقة بصرية نادرة من عصر التوسع الاستعماري الأوروبي، حيث تلتقي الواقعية الأوروبية مع الغرابة الاستوائية، في مزيج فني فريد.
إن بيع اللوحة بهذا السعر يُعد إشارة واضحة إلى اهتمام السوق الفني العالمي بالفنون التي توثق التداخل الثقافي والاستعماري، كما يعكس شغف المقتنين بالأعمال التي تجمع بين الجمال والقيمة التاريخية.
عندما يُصبح الفن مرآة للتاريخ
بهذا البيع القياسي، تعود لوحة فرانس بوست إلى دائرة الضوء العالمية، لا كقطعة جمالية فحسب، بل كمرآة تُظهر كيف نظر الأوروبيون إلى المستعمرات في القرن السابع عشر، وكيف وظّف الفن لخدمة الاكتشاف والتوثيق.
ويُتوقع أن تُعرض اللوحة قريبًا في أحد المعارض أو المتاحف العالمية، بعد أن انتقلت من الخفاء إلى واجهة الفن العالمي من جديد.