ما سر تسمية شهر المحرم؟.. تعرف على فضله وأجر الصيام فيه

المحرم هو أول شهور السنة الهجرية ويُعد من أعظم الشهور في التقويم القمري الإسلامي، ويُطلق عليه اسم «شهر الله المحرم» لما له من مكانة رفيعة في الدين الإسلامي، وقد يتساءل البعض عن «سبب التسمية» وما يميزه عن غيره من الشهور، ولماذا يُكثر المسلمون من الصيام فيه ويحرصون على معرفة أحكامه وفضله العظيم.
أصل تسمية المحرم
في الجاهلية لم يكن يُعرف الشهر باسم المحرم، بل كان يُطلق عليه «مؤتمر»، بينما كان اسم «المحرم» يُطلق آنذاك على شهر رجب، ومع ظهور الإسلام أعاد ترتيب أسماء الشهور وتحديد دلالاتها الشرعية واللغوية، فخص الله تعالى هذا الشهر باسم المحرم، وأصبح يُطلق عليه شرعًا «شهر الله المحرم» وهو الاسم الذي ورد في الحديث الشريف، مما يدل على أن الاسم إسلامي بامتياز لم يكن مستخدمًا قبل الإسلام، بل أضيف إلى اسم الله «تشريفًا وتعظيمًا» له.
وقد سُمي «المحرم» لأنه شهر محرّم، أي معظم ومحظور فيه القتال وسفك الدماء، فهو من الأشهر الحرم التي نهى الله تعالى فيها عن القتال والمعاصي وأمر بتعظيمها، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر هذه الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وقد أوضح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن عدد أشهر السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث منها متوالية وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، والرابع هو رجب، الذي يقع بين جمادى وشعبان.
المحرم في الجاهلية والإسلام
ذكر بعض العلماء والمؤرخين مثل ابن الجوزي أن أسماء الشهور العربية قبل الإسلام كانت تختلف عن تسميتها الحالية، فقد كان يُطلق على شهر المحرم اسم «بائق»، وعلى صفر اسم «نفيل»، وربيع الأول «طليق»، وربيع الآخر «ناجز»، وجمادى الأولى «أسلح»، وجمادى الآخرة «أفتح»، ورجب «أحلك»، وشعبان «كسع»، ورمضان «زاهر»، وشوال «بط»، وذو القعدة «حق»، وذو الحجة «نعيش».
وقد أطلق العرب على شهر المحرم أيضًا اسم «الأصم»، وذلك لشدة تحريمه وتعظيمه، حيث كانوا يمتنعون عن القتال فيه بشكل صارم، فكانت له منزلة حتى قبل الإسلام، أما في الإسلام فقد تضاعف هذا التعظيم وتوثق بالتشريع السماوي، وأصبح للشهر مكانة عظيمة في الأحكام الدينية، مما يفسر لماذا تم اختياره ليكون بداية السنة الهجرية.
فضل الصيام في المحرم
ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «أفضل الصيام بعد رمضان، صيام شهر الله المحرم»، وهو ما يدل على «فضل عظيم» لصيام هذا الشهر المبارك، فالصوم فيه يُعد من أفضل الأعمال التي يُفتتح بها المسلم عامه الجديد، ويُثاب عليه بثواب عظيم لا يُقارن، كما أن أفضل الصلاة بعد الفريضة هي قيام الليل، ما يجعل الجمع بينهما في هذا الشهر فرصة لا تُعوض.
ومن أعظم أيام المحرم هو «يوم عاشوراء»، وهو اليوم العاشر من هذا الشهر، وقد ورد أن صيامه يكفّر ذنوب سنة كاملة، وهو ما يدل على شرف هذا اليوم وعلو منزلته، ولذلك يُستحب للمسلم أن يصوم يوم عاشوراء مع يوم قبله أو بعده اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
أحكام شرعية متعلقة بشهر المحرم
من الأحكام التي ارتبطت بشهر المحرم هي تحريم القتال فيه، وقد اختلف العلماء في حكم هذا التحريم، هل هو باقٍ أم منسوخ، فذهب فريق من العلماء إلى أن التحريم باقٍ ولم يُنسخ، واستدلوا بقول الله تعالى «فلا تظلموا فيهن أنفسكم»، وقوله أيضًا «الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص»، وهذا يؤكد أن الأصل هو الامتناع عن القتال خلال المحرم، إلا في حالة الدفاع والرد على الاعتداء.
أما الفريق الآخر من العلماء فقد رأى أن تحريم القتال في هذا الشهر قد نُسخ، وأنه يجوز فيه القتال إذا دعت الضرورة، لكن الرأي الراجح بين أكثر المفسرين هو بقاء التحريم كأصل، ما لم يكن هناك عدوان يستوجب الرد، وهو ما يتماشى مع المقصد الشرعي من تعظيم هذا الشهر.
صيام عاشوراء.. حكمه وفضله
صيام يوم عاشوراء كان في بداية الأمر واجبًا على المسلمين، كما ثبت في الحديث الصحيح، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيامه بعد الهجرة إلى المدينة، وقد روى الصحابي سلمة بن الأكوع أن النبي أمر أحد رجال قبيلة أسلم أن يُنادي في الناس أن من كان قد أكل فليمسك، ومن لم يأكل فليصم، لأن اليوم هو يوم عاشوراء.
ولكن مع فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، نُسخ وجوب صيام يوم عاشوراء وأصبح مستحبًا فقط، وقد ورد في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في أواخر حياته على أن يصوم يومًا قبله مخالفةً لليهود، الذين كانوا يصومون اليوم العاشر فقط، ولذلك يُستحب صيام يوم تاسوعاء مع عاشوراء، أو صيام يوم بعده أيضًا.
وقد قال بعض العلماء إنه يُكره صيام عاشوراء وحده، لأن النبي كان يحرص على مخالفه أهل الكتاب، بينما أجاز آخرون صيامه مفردًا إن لم يكن باستطاعة المسلم صيام غيره، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يصوم اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر من المحرم، مما يدل على سعة الأمر.
المحرم بداية جديدة وأمل متجدد
مع بداية كل سنة هجرية جديدة، يأتي المحرم ليمنح المسلمين فرصة لإعادة ترتيب نواياهم، وتجديد إيمانهم، واستقبال عام جديد بالطاعة والخشوع، فليس المحرم مجرد بداية تقويم هجري بل هو «موسم للطاعة»، ودعوة لترك الذنوب، والحرص على العبادة، واستثمار الوقت فيما يُرضي الله عز وجل.
شهر المحرم ليس مجرد مناسبة تاريخية، بل هو «باب من أبواب البر»، و«نافذة على الخير»، وقد جمع بين «التاريخ المقدس» و«العبادة المستحبة» و«التحذير من الظلم»، ولذلك لا ينبغي للمسلم أن يمر عليه دون أن يقطف من ثماره، سواءً بالصيام أو الذكر أو التوبة الصادقة.