الإفتاء تحسم الجدل حول «حكم كشف قدم المرأة» أثناء الصلاة

الصلاة هي ركن من أركان الإسلام وعبادة عظيمة تحرص المرأة المسلمة على أدائها في أوقاتها المقررة وفق الضوابط الشرعية التي حددها الفقهاء، ومن أكثر الأسئلة التي وردت إلى «دار الإفتاء المصرية» وتتكرر كثيراً في أذهان النساء هو ما يتعلق بحكم «تغطية قدم المرأة أثناء الصلاة»، وهل يجوز أن تصلي وقدماها مكشوفتان أم أن ذلك يبطل الصلاة أو ينقص من صحتها، وقد أصدرت الإفتاء بياناً موسعاً أوضحت فيه آراء الفقهاء القدامى والمعاصرين لتبيين الحكم الصحيح ورفع الحرج عن النساء.
تغطية القدمين في الصلاة
ذكرت «دار الإفتاء» أن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ذهبوا إلى أنه يجب على المرأة أن تستر كامل جسدها في الصلاة باستثناء الوجه والكفين، واستدلوا بما روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال «تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَإِزَارٍ» أي أن المرأة يجب أن تكون مغطاة تغطية كاملة أثناء الصلاة بحيث لا يظهر منها إلا الوجه والكفان، كما ورد عن السيدة أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة سألتها عن الثياب التي تصلي بها المرأة فقالت «تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» وهو نص واضح في استحباب ستر القدمين.
رأي الحنفية في كشف القدمين
وأوضحت الإفتاء أن مذهب الحنفية وكذلك الإمام سفيان الثوري أجاز للمرأة أن تكشف قدميها في الصلاة استناداً إلى أن الشرع استثنى من زينة المرأة الظاهرة الوجه والكفين والقدمين معاً، واستدلوا بقول الله تعالى «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا» سورة النور الآية 31، حيث اعتبروا أن القدمين من الزينة الظاهرة التي جرت العادة بظهورها ولا حرج فيها، وبناء على ذلك فإن المرأة إذا صلت وقدماها مكشوفتان فصلاتها صحيحة ولا إنكار عليها.
الحكم الراجح في المسألة
أشارت «دار الإفتاء المصرية» إلى أن الرأي المفتى به هو جواز كشف المرأة لقدميها في الصلاة، وذلك تيسيراً عليها ورفعاً للحرج، خاصة في ظل الظروف العملية والاجتماعية التي قد تجعل من الصعب الالتزام الكامل بتغطية القدمين في كل صلاة، وأكدت أن الخلاف في هذه المسألة خلاف معتبر بين العلماء ولا يصح إنكار أحد الرأيين على الآخر، وبذلك إذا صلت المرأة وقدماها مكشوفتان فإن «الصلاة صحيحة ولا إثم عليها».
حكم الصلاة في البنطلون للنساء
ورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم صلاة المرأة في البنطلون، وقد أجاب الدكتور محمود شلبي أمين الفتوى قائلاً إن صحة الصلاة مرتبطة بتحقق شروطها الأساسية وأهمها ستر العورة، وبالنسبة للمرأة فإنها مطالبة شرعاً بستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وبعض الفقهاء أضافوا القدمين أيضاً، فإذا كان البنطلون ساتراً وغير شفاف ولا يصف تفاصيل الجسم فإن الصلاة فيه صحيحة ولا شيء فيها، أما إذا كان ضيقاً جداً يحدد تفاصيل الجسد فيكون مكروهاً، لكنه لا يبطل الصلاة إذا توفرت باقي الشروط.
طلاء الأظافر وأثره على صحة الوضوء والصلاة
من المسائل التي تشغل بال الكثير من النساء أيضاً مسألة «طلاء الأظافر» أو ما يعرف بالمناكير، وهل يؤثر على صحة الوضوء ومن ثم صحة الصلاة، وقد أوضح الشيخ أحمد ممدوح مدير إدارة الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء أن غسل اليدين إلى المرفقين ركن أساسي من أركان الوضوء، فإذا كان هناك حاجز يمنع وصول الماء إلى الأظافر فإن الوضوء لا يكتمل وبالتالي تكون الصلاة باطلة، وبيّن أن طلاء الأظافر التقليدي يعد حاجزاً يمنع وصول الماء، لكن مع التطور العلمي ظهر نوع جديد من الطلاء يسمح بنفاذ الماء والهواء إلى الأظافر، فإذا استخدمته المرأة فإن وضوءها يكون صحيحاً وبالتالي تكون الصلاة صحيحة أيضاً، وهناك أنواع أخرى من الطلاء المؤقت الذي يمكن تقشيره بسهولة قبل الوضوء.
ضوابط عامة للمرأة في الصلاة
أعادت الإفتاء التذكير ببعض الضوابط الأساسية لصحة الصلاة عند النساء، وهي وجوب ستر العورة الكاملة عدا الوجه والكفين، والتحقق من طهارة الثوب والبدن ومكان الصلاة، وأداء الأركان والواجبات على الوجه المطلوب، مع ضرورة الابتعاد عن الملابس الضيقة أو الشفافة التي تكشف تفاصيل الجسد، وأكدت أن المرأة إذا التزمت بهذه الضوابط فإن صلاتها صحيحة ومقبولة بإذن الله تعالى، سواء صلت في ثوب فضفاض أو في بنطلون ساتر، وسواء غطت قدميها أو كشفتها حسب الرأي الذي تطمئن إليه.
أهمية التيسير في فقه الصلاة
حرصت «دار الإفتاء» في بيانها على التأكيد أن الدين الإسلامي يقوم على رفع الحرج عن المكلفين والتيسير عليهم، وأن المسائل الخلافية مثل حكم كشف القدمين في الصلاة يجب التعامل معها بروح التسامح وعدم التشدد، حيث أن كلا القولين لهما أدلته الشرعية المعتبرة، والمرأة إذا أخذت بأحدهما فلا إنكار عليها، بل الأولى أن تختار ما يناسب ظروفها وما يطمئن إليه قلبها، مع الحفاظ على روح الخشوع والإقبال على الله أثناء الصلاة.
يتضح من مجمل أقوال الفقهاء وفتاوى دار الإفتاء المصرية أن مسألة «تغطية قدم المرأة أثناء الصلاة» من الأمور المختلف فيها بين العلماء، فالجمهور يرون وجوب التغطية بينما الحنفية وبعض الأئمة أجازوا الكشف، والرأي المفتى به اليوم هو جواز كشف القدمين تيسيراً ورفعاً للحرج، وبالتالي فإن المرأة إذا صلت وقدماها مكشوفتان فإن «الصلاة صحيحة بلا شك»، ويبقى الأصل أن المرأة تتحرى الستر والاحتشام ما استطاعت، وأن تصلي بما يعينها على تحقيق الخشوع الكامل.